التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1522 [ ص: 332 ] [ ص: 333 ] حديث أول لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته .


هكذا روى هذا الحديث ، عن مالك جماعة الرواة - فيما علمت - وكذلك هو في الموطأ ، إلا أن محمد بن سليمان رواه عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الولاء لا يباع ولا يوهب ولم يتابعه أحد على ذلك .

وقد روى هذا الحديث شعبة ، والثوري ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وجماعة يطول ذكرهم من الأئمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا عمر ، وروى هذا الحديث ابن الماجشون ، عن [ ص: 334 ] مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وذلك خطأ لم يتابع ابن الماجشون عليه ، والصواب فيه : مالك ، عن عبد الله بن دينار ، لا عن نافع ، والله أعلم .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا أحمد بن نصر ، حدثنا أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته واختلافهم في بيع ولاء المكاتب وهبته ، أو اشتراط المكاتب لولاء نفسه باب آخر .

روى قتادة ، عن ابن المسيب ، أنه كان لا يرى بأسا ببيع الولاء إذا كان من المكاتبة ، ويكرهه إذا كان من عتق .

وسفيان وحماد ، عن عمرو بن دينار ، قال : وهبت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاء سليمان بن يسار لابن عباس ، وكان مكاتبا .

ومعمر ، عن قتادة ، قال : لا يباع الولاء إلا رجل كوتب ، فإن اشترط في كتابته أن أوالي من شئت فهو جائز . ومعمر ، عن قتادة ، عن ابن المسيب أن النبي عليه السلام مر [ ص: 335 ] برجل يكاتب عبدا ، فقال له النبي عليه السلام : اشترط ولاءه قال : وكان قتادة يقول : من لم يشترط ولاء مكاتبه ، والى المكاتب من شاء حين يعتق .

وقال مكحول : لا يباع الولاء ، إلا أن المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته جاز ، وعن سعيد بن عبد العزيز مثله .

وقال ابن جريج : كان عطاء يجيز هبة الولاء ، ثم رجع عنه فقال : لا يباع الولاء ولا يوهب ، إلا أن من أذن لمولاه أن يتولى من شاء جاز ذلك ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من تولى قوما بغير إذن مواليه قلت لعطاء : رجل كاتب عبده ، ولم يشترط سيده أن ولاءك لي ، لمن ولاؤه ؟ قال : لسيده ، وقاله عمرو بن دينار ، وقال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم : ولاء المكاتب لسيده ليس له أن يشترطه لنفسه ، ولا أن يوالي غيره إذا أدى الكتابة إليه أو إلى ورثته من بعده ، وهذا الحديث إنما انفرد به عبد الله بن دينار ، واحتاج الناس فيه إليه ، وهو حديث عليه العمل عند أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الخالفين .

وقد روي عن عثمان بن عفان إجازة ذلك ، وروي عن ابن عباس إجازة هبة الولاء ، ولم يجز بيعه ، وأن عمرو بن حزم وهب ولاء مولى له لابنه محمد دون عبد الرحمن ، وأن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قضى بجواز هبة الولاء [ ص: 336 ] وذكر حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه اشترى ولاء طهمان وبنيه لبني مصعب بن الزبير .

وذكر حماد بن سلمة أيضا ، عن عمرو بن دينار أن ميمونة بنت الحرث وهبت ولاء مواليها للعباس ، فولاؤهم لهم اليوم ، وقد روي عن ميمونة أنها وهبت ولاء سليمان بن يسار مولاها لعبد الله بن عباس .

وقد روى أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا قيس ، عن ليث ، عن عطاء بن السائب ، أن علقمة ، والأسود ، وأبا نضيلة ، وابن معقل ، رخصوا لسالم بن أبي الجعد أن يبيع ولاء مولى له بعشرة آلاف يستعين بها على عبادته ، وهذا عند أهل العلم مأخوذ به ، والذي عليه جماعة العلماء أن الولاء كالنسب ، لا يباع ولا يوهب ، وقد جاء عن ابن عباس في ذلك ما يرد قصة ميمونة .

ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : الولاء لمن أعتق ، لا يجوز بيعه ولا هبته . وعن الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : سئل عبد الله بن مسعود ، عن بيع الولاء ، قال : أيبيع [ ص: 337 ] أحدكم نسبه ؟ وهذا عن ابن مسعود يرد ما روي عن علقمة والأسود ، وذكر عبد الرزاق أيضا ، عن ابن عيينة ، عن مسعر ، عن عبد الله بن رباح ، عن عبد الله بن معقل ، عن علي رضي الله عنه ، قال : الولاء شعبة من النسب من أحرز الولاء أحرز الميراث ، وعن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن علي ، قال : لا يباع الولاء ولا يوهب .

وعن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يكره بيع الولاء وهبته . قال ابن جريج : وسمعت عطاء يقول : كان ابن عباس ينكر بيع الولاء . وعن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان ينكر بيع الولاء ويكرهه كراهية شديدة ، وأن يوالي أحد غير مواليه وأن يهبه .

وعن الثوري ، عن داود ، عن ابن المسيب ، قال : الولاء لحمة كالنسب ، لا يباع ولا يوهب ، وقد مضى القول في كثير من مسائل الولاء في باب ربيعة من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك هاهنا .

[ ص: 338 ] وفي نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ما يشهد لصحة ما ذهب إليه الفقهاء في هذا الباب وأن من خالفه محجوج ; لأن الحجة به قائمة ; لأنه لم يرو عن النبي عليه السلام ما يخالفه فثبتت الحجة به ، وروى ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع أن ابن عمر كان ينكر أن يتولى أحد غير مولاه وأن يهب ولاءه .

وروى ابن وهب ، عن مالك أنه قال : لا يجوز لسيد أن يأذن لمولاه أن يوالي من شاء ; لأنها هبة الولاء ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته ، وقد رخصت طائفة من العلماء أن يتولى المعتق من شاء ، إذا أذن له سيده ، فمنهم : إبراهيم النخعي ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يحل أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه وممن قال : لا يجوز بيع الولاء ، ولا هبته من كتابة ولا غيرها - جابر ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطاوس ، والحسن ، وابن سيرين ، وسويد بن غفلة ، والشعبي ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه وأحمد ، وعلي .

التالي السابق


الخدمات العلمية