التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1843 [ ص: 347 ] حديث ثالث لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا : فيما استطعتم .

وروى مالك أيضا ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه ، فكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله ، وسنة رسوله فيما استطعت .


ففي هذا الحديث دليل على أخذ البيعة للخلفاء على الرعية [ ص: 348 ] وكانت البيعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، والخلفاء الراشدين أن يصافحه الذي يبايعه ويعاقده على السمع والطاعة ، في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وأن لا ينازع الأمر أهله .

رواه عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال فيه : وأن نقوم - أو نقول - بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم ، وكان يقول لهم : فيما استطعتم . لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها .

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصافح النساء عند البيعة ، وكان يصافح الرجال ، وقد مضى هذا المعنى مجودا في باب محمد بن المنكدر من كتابنا هذا ، والحمد لله .

وأما الأيمان التي يأخذها الأمراء اليوم على الناس فشيء محدث ، وحسبك بما في الآثار من أمر البيعة حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ عليهم في البيعة أمورا كثيرة ، منها : النصح لكل مسلم ، وقد ذكرنا ما يجب على الرعية من نصح الأئمة في باب سهيل من هذا الكتاب عند قوله - صلى الله عليه وسلم - : وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم . . . . الحديث . ونذكر هاهنا أحاديث البيعة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذها على أصحابه ; لتقف على أصل هذا الباب ، والله الموفق للصواب .

[ ص: 349 ] حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا خالد ، عن يونس ، عن عمرو بن سعيد ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن جرير ، قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة ، وأن أنصح لكل مسلم ، قال : فكان إذا باع الشيء أو اشتراه قال : أما إن الذي أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك ، فاختر .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي وائل ، عن جرير ، قال : بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم ، وفراق المشرك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، حدثني أبي ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن أبي نجيلة البجلي ، قال : قال جرير : أتيت [ ص: 350 ] النبي عليه السلام وهو يبايع الناس ، فقلت : يا رسول الله ، ابسط يدك أبايعك واشرط علي ، فأنت أعلم بالشرط ، قال : أبايعك على أن تعبد الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتناصح المسلم ، وتفارق المشرك وسيأتي قوله - صلى الله عليه وسلم - : الدين النصيحة في باب سهيل من كتابنا هذا ، إن شاء الله .

وفي حديث جرير المذكور : ابسط يدك أبايعك وفيه بيان ما ذكرنا ، ومثله ما قرأت على عبد الوارث بن سفيان ، أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي أبو أيوب ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر وابن الزبير أنهما بايعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهما ابنا سبع سنين ، فلما رآهما النبي - صلى الله عليه وسلم - تبسم وبسط يده وبايعهما .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وأحمد بن محمد ، قالا : حدثنا وهب بن مسرة ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن يحيى بن سعيد ، وعبيد الله بن عمر ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، عن جده قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم على السمع [ ص: 351 ] والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم . .

وقد روى هذا الحديث مالك ، عن يحيى بن سعيد ، وسيأتي في موضعه من كتابنا هذا ، إن شاء الله .

حدثنا أحمد حدثنا مسلمة ، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصبهاني ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس ، قال : قدمت على عمر بعد هلاك أبي بكر ، فقلت : ارفع يدك أبايعك على ما بايعت عليه صاحبيك من قبل - أعني : النبي عليه السلام وأبا بكر - فبايعته على السمع والطاعة فيما استطعت .

وذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) قال : نزلت يوم الحديبية ، قال أبي جريج : بايعوه على الإسلام ، ولم يبايعوه على الموت .

[ ص: 352 ] وذكر سنيد أيضا ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل ، عن أبي خالد الشعبي أن أبا سنان بن وهب الأسدي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية بيعة الرضوان ، فقال له : علام تبايعني ؟ قال أبو سنان : على ما في نفسك قال إسماعيل : وكانوا بايعوه يومئذ على أن لا يفروا . قال : وقال غير هشيم ، عن عاصم الأحول ، عن الشعبي مثله ، غير أنه قال أبو سنان بن محصن الأسدي : قال سنيد : وحدثنا معتمر بن سليمان ، عن كليب بن وائل ، عن حبيب بن أبي مليكة ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله ، وأنا أبايعه فصفق بيده على الأخرى .

قال أبو عمر : في هذا أيضا دليل على أن المبايعة من شأنها المصافحة ، ولم تختلف الآثار في ذلك ، وقد مضى في باب محمد بن المنكدر من هذا الكتاب أنه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا بايع النساء لم يصافحهن .

قال سنيد : وحدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، عن جابر ، سمعه يقول : كنا بالحديبية أربع عشرة مائة ، فبايعناه وعمر بن الخطاب آخذ بيده تحت الشجرة ، وهي [ ص: 353 ] سمرة ، قال : فبايعناه غير الجد بن قيس ، اختبأ تحت بطن بعيره ، قيل لجابر : هل بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة ؟ قال : لا ، ولكنه صلى بها ولم يبايع عند شجرة إلا عند الشجرة التي عند الحديبية ، قال أبو الزبير : وسئل جابر كيف بايعوا ؟ قال : بايعناه على أن لا نفر ، ولم نبايعه على الموت .

قال ابن جريج : وأخبرني أبو الزبير ، عن جابر ، قال : جاء عبد لحاطب بن أبي بلتعة - أحد بني أسد - يشتكي سيده فقال : يا رسول الله ، ليدخلن حاطب النار ، فقال له : كذبت ، لا يدخلها ; إنه شهد بدرا والحديبية .

قال سنيد : وحدثنا مبشر الحلبي ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج ، عن أبي العقيب ، قال : شهدت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يبايع الناس بعد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فتجتمع عنده العصابة ، فيقول لهم : أتبايعون على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير ؟ فيقولون : نعم ، قال : فتعلمت شرطه هذا وأنا كالمحتلم أو فوقه ، فلما خلا من عنده أتيته ، فابتدأته فقلت : أبايعك على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير ، فصعد في البصر وصوب ، ورأيته أعجبه .

[ ص: 354 ] قال : وحدثنا معتمر بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن عمر أو عمرو بن عطية ، قال : أتيت عمر بن الخطاب وأنا غلام ، فبايعته على كتاب الله وسنة نبيه ، هي لنا وهي علينا ، فضحك وبايعني .

وذكر ابن أبي شيبة ، قال : أخبرنا عباد بن العوام ، عن أشعث بن سوار ، عن أبيه ، قال : سمعت موسى بن طلحة ، قال : بعث لي أمير المؤمنين علي وأنا في الأسارى ، فانطلقت ، فدخلت عليه فسلمت ، فقال : أتبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس ؟ قلت : نعم ، قال : هكذا - ومد يده فبسطها - قال : فبايعته ، ثم قال : ارجع إلى أهلك ومالك ، قال : فلما رآني الناس قد خرجت جعلوا يدخلون فيبايعون .

وقد مضى في باب ابن المنكدر كثير من أحاديث البيعة والمصافحة بها عند ذكر بيعة النساء ، والحمد لله .

حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا ابن أبي دليم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا نعيم ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن عيينة ، قال : أخبرني الوليد بن كثير ، عن وهب بن كيسان ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، يقول : لما قدم مسلم بن عقبة المدينة أتت الأحياء يبايعونه ، فأتى بنو سلمة ولم آت معهم ، فقال : لا أبايعكم حتى يخرج إلي جابر ، قال : فأتاني قومي ، فناشدوني [ ص: 355 ] الله ، فقلت لهم : أنظروني ، فأتيت أم سلمة ، فاستشرتها في الخروج إليه ، فقالت : والله إني لأراها بيعة ضلالة ، ولكن قد أمرت أخي عبد الله بن أبي أمية أن يأتيه فيبايعه - كأنها أرادت أن تحقن دمه - قال جابر : فأتيته فبايعته .

قال أبو عمر : كذا قال : أخي عبد الله بن أبي أمية ، وصوابه : ابن أخي عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية ، ولم يدرك أخوها الحرة ، توفي قبل ذلك بكثير .

وبه عن ابن المبارك ، قال : حدثنا أبو عوانة ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، أنه سأله رجل من الذين بايعوا المختار الكذاب ، فقال : تخاف علينا من بيعتنا لهذا الرجل ؟ فقال : ما أبالي أبايعته أو بايعت هذا الحجر ، إنما البيعة في القلب ، إن كنت منكرا لما يقول فليس عليك من بيعتك بأس .

التالي السابق


الخدمات العلمية