التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1393 [ ص: 7 ] حديث خامس لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخدع في البيوع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل لا خلابة فكان الرجل إذا بايع ، قال : لا خلابة .


قال أبو عمر : يقال : إن الرجل الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا بايعت فقل لا خلابة هو منقذ بن حيان ، وذلك محفوظ من حديث ابن عمر ، وغيره .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق [ ص: 8 ] عن نافع ، عن ابن عمر أن منقذا شج في رأسه مأمومة في الجاهلية ، فخبلت لسانه ، فكان يخدع في البيع ، ومرة قال : إذا بايع خدع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بع وقل لا خلابة ، ثم أنت بالخيار ثلاثا من بيعك ، قال ابن عمر : فسمعته إذا بايع يقول : لا خبابة لا خبابة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذا كان قد أتى عليه سبعون ومائة سنة ، فكان إذا باع غبن فذكر ذلك للنبي - عليه السلام - ، فقال : إذا بايعت فقل لا خلابة ، وأنت بالخيار .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن الجهم .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي و إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي ، قالوا : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، قال : أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن [ ص: 9 ] أنس بن مالك أن رجلا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبتاع ، وكان في عقدته ضعف ، زاد عبد الوارث في حديثه قال : قال الخفاف : في عقدته يعني في عقله ، فأتى أهله النبي - عليه السلام - فقالوا : يا نبي الله احجر على فلان إنه يبتاع وفي عقدته ضعف ، فدعاه نبي الله فنهاه عن البيع ، فقال : يا نبي الله إني لا أصبر على البيع ، فقال رسول الله - عليه السلام - : إن كنت غير تارك للبيع فقل هاء وهاء ولا خلابة .

واختلف العلماء في معنى أحاديث هذا الباب ، فقال منهم قائلون : هذا خصوص في ذلك الرجل وحده بعينه ، جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيار في كل سلعة يشتريها ، شرط ذلك أو لم يشترطه ، خصه بذلك لضعفه ، ولما شاء صلى الله عليه وسلم ، ولم يجز لأحد خلابته وخديعته ، وإن كان صلى الله عليه وسلم قد قال : دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فخص هذا بأن لا يخدع ، فيؤخذ منه في السلعة أكثر مما تساوي .

وأما الخديعة والخلابة التي فيها الغش وستر العيوب فمحظورة على الناس كلهم ، ولكن البيع صحيح فيها ، وللمشتري [ ص: 10 ] إذا اطلع على العيب الخيار في الاستمساك أو الرد على حسب السنة في ذلك مما نقل عنه في قصة المصراة وغيرها .

وقال آخرون : كل ما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمنقذ من الخيار فيما اشتراه ، وما جعل له في أن لا يخدع شرطا يشترطه بقوله : لا خلابة فجائز اشتراطه اليوم لكل الناس ، فلو أن رجلا شرط على بائعه أنه بالخيار فيما ابتاعه منه ثلاثا ، وقال له : إنك متى ما خدعتني في هذه السلعة وبانت خديعتك لي فيها فأنا بالخيار ثلاثة أيام ، إن شئت أمسكت ، وإن شئت رددت - كان له شرطه ، وذلك جائز ، وله الخيار على حسب ما اشترط .

وأما القول في اشتراط الخيار ثلاثا وما فوقها ودونها من المدة ، فقد مضى مستوعبا في باب نافع ، عن ابن عمر من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية