التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
634 [ ص: 79 ] حديث خامس عشر لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الشهر تسع وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له .


هكذا هو عند جماعة الرواة عن مالك ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العسكري ، حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، حدثنا الشافعي ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الشهر تسع وعشرون لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له .

[ ص: 80 ] أما قوله : " الشهر تسع وعشرون " ، فإنه يحتمل وجهين لا ثالث لهما في النظر ، أحدهما : أن يكون الألف واللام اللذان في الشهر إشارة إلى شهر بعينه ، وهو الشهر - والله أعلم - الذي آلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه ، فكأنه قال - عليه السلام - : هذا الشهر تسع وعشرون ، أو تكون إشارة إلى رمضان بعينه كأنه ، قال : شهرنا هذا تسع وعشرون .

ومعلوم أن من الشهور ما يكون تسعا وعشرين ، ومنها ما يكون ثلاثين فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن ذلك الشهر تسع وعشرون ، والوجه الآخر أن يكون أراد بقوله : " الشهر تسع وعشرون " أي أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين ، فلا تكون حينئذ إشارة إلى معهود ، ولا يجوز أن يكون أراد بقوله : " الشهر تسع وعشرون " أن الشهور كلها تسع وعشرون ، وليس التعريف في الشهر هاهنا إشارة إلى جنس الشهور ، ولكن المعنى ما ذكرنا ، والأمر في ذلك بين لا تنازع فيه ، والحمد لله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة [ ص: 81 ] قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : اعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرا فخرج صبح تسعة وعشرين ، فقال النبي - عليه السلام - : إن الشهر تسع وعشرون ، ثم صفق النبي - صلى الله عليه وسلم - بيديه ثلاثا ، مرتين الأصابع كلها ، والثالثة بتسع منها .

وعند ابن جريج في هذا المعنى حديث أم سلمة أيضا ، حدثنا أحمد بن قاسم ، حدثنا قاسم ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا روح ، حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني يحيى بن محمد بن صيفي أن يحيى بن عبد الرحمن أخبره أن أم سلمة أخبرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف أن لا يدخل على بعض أهله شهرا ، فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا عليهن أو راح ، فقيل له : حلفت يا نبي الله لا تدخل عليهن شهرا ، فقال : إن الشهر تسعة وعشرون يوما .

وروى شعبة قال : أنبأني سلمة بن كهيل ، قال : سمعت أبا الحكم السلمي يحدث ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهرا فأتاه جبريل - عليه السلام - ، فقال : يا محمد الشهر تسع وعشرون .

[ ص: 82 ] وروى هذا المعنى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة ، منهم : أنس بن مالك ، وأم سلمة ، وابن عباس ، وعمر بن الخطاب ، وأبو هريرة ، وغيرهم بمعنى حديث جابر هذا .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فضرب بيده ، وقال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، ثم عقف إبهامه الثالثة : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمي عليكم فاقدروا له .

قال أبو عمر : لم يختلف عن نافع في هذا الحديث في قوله : " فاقدروا له " ، وكذلك روى سالم ، عن ابن عمر ورواه الدراوردي ، عن عبد الله بن دينار ، فقال فيه : فإن غم عليكم فأحصوا العدة وقد مضى القول مستوعبا في معنى " فاقدروا له " ، وما للعلماء في ذلك من الوجوه في باب نافع ، عن ابن عمر من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك هاهنا .

قرأت على سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عبد [ ص: 83 ] العزيز ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهر تسع وعشرون ، ولا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه إلا أن يغم عليكم ، فإن غم عليكم فأحصوا العدة .

وروى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة أعني حديث الشهر تسع وعشرون ، منهم : عمرو بن دينار وسعد بن عبيدة وسعيد بن عمرو ، وغيرهم ، ومما يدل على ما ذكرنا في صدر هذا الباب ما حدثناه أحمد بن محمد ، قال : حدثنا وهب بن مسرة . وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن الأسود بن قيس ، قال : سمعت سعيد بن عمرو بن سعيد يحدث أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إنا أمة أمية لا نكتب ، ولا نحسب ، والشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا - وعقد الإبهام في الثالثة - والشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا يعني تمام ثلاثين .

التالي السابق


الخدمات العلمية