التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1790 [ ص: 86 ] [ ص: 87 ] حديث سابع عشر لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم ، فإنما يقول : السام عليكم ، فقل : عليك .


هكذا قال يحيى ، عن مالك في هذا الحديث " عليك " على لفظ الواحد ، وتابعه قوم ، وقال القعنبي وغيره فيه ، عن مالك : " عليكم " على لفظ الجماعة ، ولم يدخل واحد منهم فيه الواو عن مالك ، وكذلك رواه الدراوردي ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم ، فإنما يقول : السام عليكم ، فقولوا : عليكم ، بلا واو أيضا كما قال مالك .

[ ص: 88 ] ورواه الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، فقال فيه " وعليكم " بالواو ، وكذلك في حديث قتادة ، عن أنس " وعليكم " .

قال أبو داود : وكذلك رواية عائشة وأبي عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة الغفاري .

قال أبو عمر : في هذا الحديث بيان ما عليه اليهود من العداوة للمسلمين وبذلك كانوا يضعون موضع السلام على المسلمين الدعاء عليهم بالموت ، والسام الموت في هذا الموضع ، وهو معروف في لسان العرب .

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح ، قال : حدثنا شبابة بن سوار الفزاري ، قال : حدثنا الحسام بن مصك ، قال : حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه بريدة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بهذه الحبة السوداء [ ص: 89 ] فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام , والسام الموت وذكر تمام الحديث في تفسير استعمال الحبة السوداء ، وهو الشونيز .

وروى مثل هذا الحديث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة من حديث الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ومن حديث العلماء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .

وفي هذا الحديث أيضا ما يدل على وجوب رد السلام على كل من سلم بمثل سلامه إلا أن تكون تحية طيبة فيجوز أن يرد المحيا أفضل مما حيي به ، أو مثله لا ينقص منه ، قال الله عز وجل : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ، ولم يخص مسلما من ذمي .

وفي قوله عز وجل : ( فحيوا بأحسن منها ) دليل على أنه أراد التحية الحسنة .

وأما التحية السيئة فليس على سامعها أن يحيي بأحسن منها ، وإن فعل فقد أخذ بالفضل ، وعليه أن يرد مثلها بدليل هذا الحديث , قوله - صلى الله عليه وسلم - : فقل وعليك , وقد سلف القول في معنى وجوب السلام ورده [ ص: 90 ] للجماعة ، والواحد في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا أشهل بن حاتم ، عن ابن عون قال : أنبأني حميد بن زاذويه ، عن أنس ، قال : أمرنا ، أو نهينا أن لا نزيد أهل الكتاب على : وعليكم .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح المدائني ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا عبد الله بن عون . فذكره بإسناده سواء .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أخبرنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن مرزوق ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم ؟ ، قال : قولوا : وعليكم .

[ ص: 91 ] وأما ابتداء أهل الذمة بالسلام ، فقد اختلف فيه السلف ومن بعدهم فكرهت طائفة أن يبتدأ أحد منهم بالسلام لحديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبدءوهم بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه وقال أحمد بن حنبل : المصير إلى هذا الحديث أولى مما خالفه .

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، عن إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن زياد الألهاني وشرحبيل بن مسلم ، عن أبي أمامة الباهلي أنه كان لا يمر بمسلم ، ولا يهودي ، ولا نصراني إلا بدأه بالسلام .

وروي عن ابن مسعود وأبي الدرداء وفضالة بن عبيد أنهم كانوا يبدءون أهل الذمة بالسلام وعن ابن مسعود أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب : السلام عليك .

وعنه أيضا أنه قال : لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه مثله .

وروى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم ، قال : رأيت أبا أمامة الباهلي يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي [ ص: 92 ] ويقول : هي تحية لأهل ملتنا وأمان لأهل ذمتنا واسم من أسماء الله نفشيه بيننا .

وقيل لمحمد بن كعب القرظي : إن عمر بن عبد العزيز سئل عن ابتداء أهل الذمة ، فقال : نرد عليهم ، ولا نبدؤهم ، فقال : أما أنا ، فلا أرى بأسا أن نبدأهم بالسلام . قيل له : لم ؟ ، قال : لقول الله عز وجل : ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ) .

ومذهب مالك في ذلك كمذهب عمر بن عبد العزيز ، وأجاز ذلك ابن وهب ، وقد يحتمل عندي حديث سهيل أن يكون معنى قوله : " لا تبدءوهم " أي ليس عليكم أن تبدءوهم كما تصنعون بالمسلمين ، وإذا حمل على هذا ارتفع الاختلاف .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قالا جميعا : حدثنا حفص بن عمر الحوضي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سهيل بن أبي صالح ، قال : خرجت مع أبي إلى الشام ، قال : فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم [ ص: 93 ] فقال أبي : لا تبدؤوهم بالسلام ، فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبدؤوهم بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا ابن نمير عبد الله ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن أبي عبد الرحمن الجهني ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إني راكب غدا إلى يهود ، فلا تبدؤوهم بالسلام ، فإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم .

قال أبو عمر : فهذا الوجه المعمول به في السلام على أهل الذمة ، والرد عليهم ، ولا أعلم في ذلك خلافا ، والله المستعان .

وقد روى سفيان بن عيينة ، عن زمعة بن صالح ، قال : سمعت ابن طاوس ، يقول : إذا سلم عليك اليهودي فقل : علاك السلام . أي ارتفع عنك السلام .

قال أبو عمر : هذا لا وجه له مع ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو جاز مخالفة الحديث إلى الرأي في مثل [ ص: 94 ] هذا لاتسع في ذلك القول وكثرت المعاني ، ومثل قول ابن طاوس في هذا الباب - قول من قال : يرد على أهل الكتاب : عليك السلام - بكسر السين - يعني الحجارة ، وهذا غاية في ضعف المعنى ، ولم يبح لنا أن نشتمهم ابتداء ، وحسبنا أن نرد عليهم بمثل ما يقولون في قول : وعليك ، مع امتثال السنة التي فيها النجاة لمن تبعها وبالله التوفيق .

وقد ذكرنا في باب ابن شهاب حكم من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الذمة ; لأن بعض الفقهاء جعل قول اليهود هاهنا من باب السب ، قوله : السام عليكم ، وهذا عندي لا وجه له ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية