التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1743 [ ص: 95 ] حديث ثامن عشر لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس خاتما من ذهب ، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنبذه ، وقال : لا ألبسه أبدا ، قال : فنبذ الناس خواتمهم .


في هذا الحديث دليل على أن الأشياء على الإباحة حتى يرد الشرع بالمنع منها ، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتختم بالذهب ، وذلك - والله أعلم - على ما كانوا عليه حتى أمره الله بما أمره به من ترك التختم بالذهب فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التختم بالذهب للرجال .

قال سعيد بن جبير : كان الناس على جاهليتهم حتى [ ص: 96 ] يؤمروا ، أو ينهوا , ومن حديث مالك ، عن نافع ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين ، عن أبيه ، عن علي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس القسي ، والمعصفر ، وعن تختم الذهب . . . . الحديث ، وهذا لو حملناه على عمومه ما جاز للرجال ، ولا للنساء ، ولكن قد جاءت آثار تخص النساء ، قد ذكرناها والحمد لله في باب نافع وغيره .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن غالب ، قال : حدثنا عمرو بن مرزوق ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن خاتم الذهب .

قال : وحدثنا محمد بن غالب ، قال : حدثنا خالد بن يزيد الرقي ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرنا أشعث بن سليم ، قال : سمعت معاوية بن سويد بن مقرن ، قال : سمعت البراء بن عازب ، يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب ، أو حلية الذهب - شك شعبة - قال : وحدثنا محمد بن يونس الكريمي ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد ، قال : حدثنا مسعر بن كدام ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن معاوية بن سويد بن مقرن ، عن البراء ، قال : نهينا عن سبع ، وأمرنا بسبع : أمرنا باتباع الجنائز ، [ ص: 97 ] وتشميت العاطس ، وعيادة المريض ، وإجابة الداعي ، وإبرار القسم ، ونصر المظلوم ، ورد السلام ، ونهينا عن خاتم الذهب ، وآنية الفضة ، والقسي ، والحرير ، والديباج ، والإستبرق ، وقد ذكرنا هذا الحديث في باب إسحاق بن أبي طلحة ، وفي باب نافع أيضا .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن خاتم الذهب من وجوه ، منها حديث ابن مسعود وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث علي بن أبي طالب ، وغيرهم ، وهو أمر مجتمع عليه للرجال .

وروى شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي سعيد ، عن أبي الكنود ، قال : أصبت خاتما من ذهب فأتيت عبد الله بن مسعود فرآه علي فأخذه فجعله بين لحييه فمضغه ، وقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب .

وذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن إدريس ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي سعيد ، عن أبي الكنود ، عن ابن مسعود مثله مرفوعا ، وأبو الكنود هذا من أصحاب ابن مسعود ، اسمه عبد الله لم يختلفوا فيه .

[ ص: 98 ] واختلفوا في اسم أبيه ، فقال ابن معين : هو عبد الله بن عمران ، وقال البخاري : عبد الله بن عويمر ، وقال خليفة : هو عبد الله بن عامر ونسبه في الأزد ، وأبو سعيد أزدي أيضا لا يوقف له على اسم ، يقال لأبي سعيد : قارئ الأزد .

روى عنه السدي ويزيد بن أبي زياد ، وروى عن أبي الكنود أبو إسحاق السبيعي . وأبو سعيد الأزدي سمع خباب بن الأرت ، وابن مسعود .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه ، وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده , فقيل للرجل بعدما ذهب النبي - عليه السلام - : خذ خاتمك فانتفع به ، فقال : لا والله لا آخذه أبدا ، وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر : هذا كله في الرجال دون النساء ، ولا خلاف أن لباس الحرير والذهب للنساء حلال ، وقد مضى فيما تقدم من [ ص: 99 ] كتابنا هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في لبس الحرير والذهب : هذان حلالان لإناث أمتي حرام على ذكورها , ومضى هنالك في هذا المعنى ما فيه كفاية في باب نافع من كتابنا هذا ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا .

وأما نبذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمه ونبذ الناس لخواتمهم ، فكذلك يلزمهم اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا أمر واضح ، ويحتمل أن يكون نبذه له طرحه له عن يده ، وكذلك طرح الناس لخواتمهم عن أيديهم تركهم للبسها واستعمالها لما نهوا عن ذلك ، ومما يدل على صحة هذا التأويل نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال ، والذهب مال ، فجائز سبكه وبيعه من النساء اللواتي يجوز لهن اتخاذه ، وإنما حرم على الرجل حبسه في أصبعه تزينا به دون سائر تملكه ، وإن كان - صلى الله عليه وسلم - رمى به ، فيجوز أن يكون كان ذلك منه أولا ، ثم نهى بعد ذلك عن إضاعة المال ; لأنه أمر لا خلاف فيه وبالله التوفيق .

وأما اتخاذ خاتم الورق للرجال ، والنساء فمجتمع على إجازته ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، قال : حدثني نافع ، عن عبد الله بن [ ص: 100 ] عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفيه فاتخذه الناس فرمى به واتخذ خاتما من ورق .

وقد روي عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من ورق ، ثم نبذه فنبذ الناس خواتمهم ، وهذا غلط عند أهل العلم ، والمعروف أنه إنما نبذ خاتما من ذهب لا من ورق .

وحديث ابن شهاب رواه عنه إبراهيم بن سعد ويونس بن يزيد وموسى بن عقبة ، وابن أبي عتيق أن أنس بن مالك حدثه أنه رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا ، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتم من ورق ، ولبسوها فطرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمه وطرح الناس خواتمهم .

قال أبو عمر : المحفوظ في هذا الباب عن أنس غير ما قال ابن شهاب من رواية جماعة من أصحابه عنه ، قد ذكرنا بعضهم ، وقد كره بعض أهل العلم لباس الخاتم جملة ; لحديث ابن شهاب ، وكرهه بعضهم لغير السلطان .

[ ص: 101 ] والذي عليه جمهور العلماء من المتقدمين ، والمتأخرين إجازة لبس خاتم الفضة للسلطان ، وغيره ، ولما علمه مالك - والله أعلم - من كراهة من كره ذلك ، ذكر في موطئه بعد حديثه عن عبد الله بن دينار المذكور في هذا الباب - حديثه عن صدقة بن يسار ، قال : سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم ، فقال : البسه وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك .

وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق ، قال : حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : سمعت أبا عبد الله ، يعني أحمد بن حنبل يسأل عن لبس الخاتم ، فقال : أهل الشام يكرهونه لغير ذي سلطان ويروون فيه الكراهة ، وقد تختم قوم .

قال أبو بكر : وحدثنا أبو عبد الله بحديث أبي ريحانة ، عن النبي - عليه السلام - أنه كره خلالا ذكرها ، منها الخاتم إلا لذي سلطان ، فلما بلغ أحمد هذا الموضع تبسم كالمتعجب ، ثم قال : يا أهل الشام .

قال أبو عمر - رحمه الله - : وحديث أبي ريحانة في ذلك قرأته على عبد الرحمن بن يحيى في أصل سماعه ، ومنه كتبته [ ص: 102 ] قال : حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم ، قال : حدثنا محمد بن زبان بن حبيب ، قال : حدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح ، قال : حدثنا المفضل بن فضالة القتباني ، عن عياش بن عياش القتباني ، عن أبي الحصين ، عن أبي الهيثم بن شفي أنه قال : خرجت أنا وصاحب لي يدعى أبا عامر رجل من المعافر ليصلي بإيليا ، وكان حدثهم رجل من الأزد يقال له أبو ريحانة من الصحابة ، قال أبو الحصين : فسبقني صاحبي إلى المسجد ، ثم أدركته فجلست إليه فسألني : هل أدركت قصص أبي ريحانة ، فقلت له : لا ، فقال : سمعته يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر : عن الوشر ، والوشم ، والنتف وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ، وعن مكامعة المرأة المرأة بغير شعار ، وأن يجعل الرجل تحت ثيابه حريرا مثل الأعاجم ، وأن يجعل على منكبيه حريرا مثل الأعاجم ، وعن النهبة ، وركوب النمور ، ولبس الخاتم إلا لذي سلطان .

[ ص: 103 ] هكذا وقع في أصل أحمد بن سعيد ، عن أبي الحصين ، عن أبي الهيثم بن شقي ، وإنما أعرفه عن أبي الحصين الهيثم بن شقي لا يعرف هذا الحديث إلا به ، ولم يرو عنه فيما علمت غير عياش بن عياش القتباني وقتبان في اليمن .

وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا محمد بن زبان ، حدثنا زكرياء بن يحيى ، حدثنا المفضل بن فضالة ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج أن عثمان بن عفان ورافع بن خديج وصهيبا كانوا يتختمون ، قال بكير : ولم يبلغني أن أحدا منهم كان في ذلك الزمن على سلطان .

وبه عن المفضل بن فضالة ، عن عقيل : أنه رأى على ابن شهاب خاتما نقشه : محمد يسأل الله العافية ، قال عقيل : وجاء رجل إلى ابن شهاب يسأله عن الخاتم يكون فيه شيء من ذكر الله تصيبه الجنابة ، وهو عليه ، فقال ابن شهاب : ما كان المسلمون يلبسون الخواتم فيها اسم الله ، والحرف من القرآن .

[ ص: 104 ] قال أبو عمر : الحديث حدثناه سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثني يحيى بن أيوب المصري ، قال : حدثني عياش بن عباس الحميري ، قال : سمعت أبا ريحانة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن عشر خصال : معاكمة ، أو مكامعة الرجل الرجل في شعار ليس بينهما شيء ، ومعاكمة ، أو مكامعة المرأة المرأة ليس بينهما شيء ، والوشر ، والنتف ، والوشم ، والنهبة ، وركوب النمور ، واتخاذ الديباج هاهنا على العاتقين كما تصنع الأعاجم ، وفي أسفل الثياب ، والخاتم إلا لذي سلطان .

وحدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا الليث ، عن عياش بن عباس ، عن رجل حدثه ، عن أبي ريحانة أن النبي - عليه السلام - نهى عن عشر خصال : عن الوشر ، والوشم ، وعن مكامعة الرجل الرجل ، وعن مكامعة المرأة المرأة ، يعني المباشرة ، وعن ثياب تكف بالديباج من أعلاها ومن أسفلها كما تصنع الأعاجم ، وعن النهبة ، وعن أن يركب بجلود النمار ، وعن الخاتم إلا لذي سلطان ، لم تتم في واحد من الإسنادين العشر .

[ ص: 105 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي ، قال : حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب إلى العجم ، فقيل له : إنه لا ينفذ كتابك إلا بخاتم ، قال : فاتخذ خاتما من فضة فصه منه ، والخاتم منقوش : محمد رسول الله ، قال : ولبس أبو بكر خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما توفي أبو بكر لبس الخاتم عمر ، فلما توفي عمر لبس الخاتم عثمان فسقط من عثمان في بئر بالمدينة .

وأخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن النبي - عليه السلام - أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر ، فقيل له : إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم , فاتخذ خاتما من فضة نقشه : محمد رسول الله .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا حماد ، عن عبد العزيز ، عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما [ ص: 106 ] من فضة ونقش فيه " محمد رسول الله " ، وقال : إني اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه : محمد رسول الله ، فلا ينقش أحد عليه .

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا أبو مسلم الكشي ، قال : حدثنا الشعبي عبد الرحمن بن حماد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يكتب إلى الأعاجم قيل له : إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم . فاتخذ خاتما من فضة ، ونقش فيه : محمد رسول الله كأني أنظر إلى بصيصه ، أو بياضه في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وروى هذا الحديث عن أنس - ثابت وحميد لم يذكر واحد منهم فيه : نبذ الخاتم ، فهذا ما في حديث أنس بن مالك ليس فيه أن رسول الله نبذه ، وإنما ذلك في حديث ابن عمر في خاتم الذهب خاصة .

وقد روي من حديث ابن عمر بيان ما قلنا ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو مسلم الكشي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن المغيرة بن زياد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 107 ] اتخذ خاتما من ذهب ففشت خواتم الذهب في أصحابه ، فرمى به واتخذ خاتما من ورق ، ونقش فيه : محمد رسول الله ، وكان في يده حتى مات ، وفي يد أبي بكر حتى مات ، وفي يد عمر حتى مات ، وفي يد عثمان ست سنين ، فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار للختم به فأتى قليبا لعثمان فسقط فيها فالتمس ، فلم يوجد فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن أيوب بن موسى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ، ثم رمى به واتخذ خاتما من فضة فصه منه ، ونقش فيه : محمد رسول الله ، ونهى أن ينقش أحد عليه ، وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس .

وحدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يحيى بن هاشم ، قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كان خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة ، وكان يجعل فصه مما يلي راحته .

[ ص: 108 ] وروى ابن وهب ، عن العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس خاتما في يمينه ويجعل فصه من باطن كفه .

وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد حدثني محمد بن زبان ، حدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح ، حدثنا المفضل بن فضالة ، عن يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يختم الخاتم من ورق ويلبسه في يده اليسرى . وهذا أصح عنه .

ففي هذه الأحاديث أن خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فصه منه ، وكان يجعله مما يلي راحته .

وكذلك روى حميد ، عن أنس ، قال : كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - كله من فضة ، وهو الصحيح من جهة الإسناد أن فصه كان منه ، وقد روي أن فصه كان حبشيا .

أخبرنا خلف بن أحمد ومحمد بن إبراهيم وعبد الرحمن بن يحيى ، قالوا : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا محمد بن عمر بن لبابة ، قال : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 109 ] لبس خاتم فضة في يمينه وفيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه .

قال أبو عمر : ليس هذا الإسناد بالقوي - والله أعلم - وحديث أيوب بن موسى ، عن نافع ، عن ابن عمر أصح من هذا ، وقد تقدم ذكره ، وقد روي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه كان يتختم بالذهب ، وهذا إن صح عنه أو عن غيره ، فلا معنى له لشذوذه ومخالفة السنة الثابتة فيه ، والحجة فيها لا في غيرها ، وجائز أن لا يبلغه الخبر بالنهي عن ذلك ; لأنه من علم الخاصة وأخبار الآحاد ، فقد فات من هو أجل منه أكثر من ذلك من سنن الآحاد ، وليس ذلك بضائر لهم رحمهم الله .

وأما التختم في اليمين ، وفي اليسار فاختلفت في ذلك الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أصحابه بعده ، وذلك محمول عند أهل العلم على الإباحة .

حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا ثابت أنهم سألوا أنس بن مالك : أكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم ؟ [ ص: 110 ] قال : نعم ، فذكر حديثا قال أنس : فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه ورفع يده اليسرى .

وحدثنا يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن أبي العوام ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن قتادة ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتختم بيمينه ، ونقشه : محمد رسول الله .

وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن إبراهيم بن الفضل ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : رأيت خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يمينه - صلى الله عليه وسلم - .

وحدثني سعيد وعبد الوارث ، قالا : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا محمد بن نمير ، قال : حدثني أبي ، عن محمد بن إسحاق ، عن الصلت بن عبد الله بن نوفل ، قال : رأيت ابن عباس خاتمه في يمينه ، ولا إخاله إلا قد ذكر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك كان يلبسه .

[ ص: 111 ] وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا علي بن محمد ، حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تختم في يمينه .

وممن روينا عنه أنه كان يتختم : حذيفة بن اليمان ، وأنس بن مالك ، وأبو موسى الأشعري ، وعمران بن حصين ، وأبو عبيدة ابن الجراح ، وعبد الله بن عمر ، ومسروق ، وإبراهيم ، وأبو جعفر محمد بن علي بن حسين ، ومحمد بن سيرين ، والحسن ، والقاسم ، وسالم .

وأما نقوش خواتمهم فمختلفة جدا ، وقد حدثنا أحمد ، عن أبيه ، عن عبد الله ، عن بقي ، عن أبي بكر ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أنس أن عمر قال : لا تنقشوا ، أو لا تكتبوا في خواتمكم بالعربية .

قال أبو عمر : الناس على خلاف هذا ، وقال الحسن وعطاء : لا بأس أن ينقش في الخاتم الآية كلها . وكرهه إبراهيم ، وكان نقش خاتم مسروق : بسم الله الرحمن الرحيم .

وممن كان يتختم في يساره أبو بكر ، وعمر وعثمان ، والحسن ، والحسين ، والقاسم ، وسالم ، وإبراهيم ، وعمرو بن حريث .

[ ص: 112 ] وممن كان يتختم في يمينه : جعفر بن أبي طالب ، ومحمد بن علي ابن الحنفية ، وابن عباس ، وعبد الله بن جعفر .

وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشير ، قال : حدثنا محمد بن أبي دليم ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يتختم في يساره . قال عبيد الله : ورأيت القاسم بن محمد يتختم في يساره ورأيت سالم بن عبد الله يتختم في يساره .

وأخبرنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا ابن أبي دليم ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا معن بن عيسى ، عن سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : كان الحسن ، والحسين يتختمان في أيسارهما .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، قال : حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبي بردة ، عن علي ، قال : نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتختم في السبابة ، والوسطى .

[ ص: 113 ] وأخبرنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا الحسين بن جعفر ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا العباس بن طالب ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بسر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل فص خاتمه في باطن كفه .

وقد اختلف في لبس خاتم الحديد ، ففي حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : التمس ، ولو خاتما من حديد .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، حدثنا الخضر بن داود ، حدثنا أبو بكر الأثرم قال ، قلت لأبي عبد الله ، يعني أحمد بن حنبل : ما ترى في خاتم الحديد ؟ ، فقال : اختلفوا فيه ، لبسه ابن مسعود ، وقال ابن عمر : ما طهرت كف فيها خاتم من حديد .

وروى محمد بن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن خاتم الذهب وخاتم الحديد .

[ ص: 114 ] وعن عمر بن الخطاب أنه قال في خاتم الذهب وخاتم الحديد : جمرة من نار ، أو قال : حلية أهل النار ، وقد روي مثل هذا مرفوعا ، ولا يتصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن عمر ، وليس بثابت ، والأصل أن الأشياء على الإباحة حتى يثبت النهي ، وهذا في كل شيء إلا أن النهي عن التختم بالذهب صحيح ، ولا يختلف في صحته .

وقد أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي ، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المعنى ، قالا : أخبرنا زيد بن الحباب ، عن عبد الله بن مسلم أبي ظبية السلمي المروزي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه خاتم من شبه ، فقال له : ما لي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ، ثم جاءه وعليه خاتم من حديد ، فقال : ما لي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه ، فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتخذه من ورق ، ولا تتمه مثقالا لم يقل محمد : عن عبد الله بن مسلم ، ولم يقل الحسن السلمي المروزي .

وذكر الحسن بن علي الحلواني ، قال : حدثنا أبو صالح الفراء محبوب بن موسى ، قال : سمعت أبا إسحاق الفزاري ، ورأى في يد رجل خاتما ، فقال له : في يدك خاتم ، ما لبست [ ص: 115 ] خاتما قط ، ولا رأيت في يد سفيان خاتما ، ولا في يد مغيرة ، ولا في يد الأوزاعي .

قال : وقال أبو نعيم : رأيت الأعمش وسفيان ، والحسن بن حي ، فلم أر على واحد منهم خاتما ، وكان شريك قبل أن يستقضي عليه خاتم فضة ، ورأيت أبا حنيفة عليه خاتم فضة فصه منه .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبان ، قال : حدثنا قتادة ، عن عبد الرحمن مولى أم برثن : أن أبا موسى الأشعري وزيادا قدما على عمر ، وفي يد زياد خاتم من ذهب ، فقال له عمر : أتتختم بالذهب ، فقال أبو موسى : أما أنا فخاتمي من حديد ، فقال : ذلك أخبث وأنتن ، ثم قال : من كان متختما فليتختم بالفضة .

وقد ذكرنا في باب نافع مسألة شد الأسنان بالذهب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية