صفحة جزء
[ ص: 3 ] مقدمة المؤلف

قال الشيخ - رحمه الله - :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تكون للنجاة وسيلة ، ولرفع الدرجات كفيلة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي بعثه وطرق ( وحال ) الإيمان قد عفت آثارها ، وخبت أنوارها ، ووهنت أركانها ، وجهل مكانها ، فشيد صلوات الله عليه وسلامه من معالمها ما عفا ، وشفى من العليل في تأييد كلمة التوحيد من كان على شفا ، وأوضح سبيل الهداية ، لمن أراد أن يسلكها ، وأظهر كنوز السعادة لمن قصد أن يملكها . أما بعد فإن التمسك بهديه لا يستتب إلا بالاقتفاء لما صدر من مشكاته ، والاعتصام بحبل الله لا يتم إلا ببيان كشفه ، وكان ( كتاب المصابيح ) ، الذي صنفه الإمام محيي السنة ، قامع البدعة ، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ، رفع الله درجته أجمع كتاب صنف في بابه ، وأضبط لشوارد الأحاديث ، وأوابدها ، ولما سلك - رضي الله عنه - الاختصار ، وحذف الأسانيد ; تكلم فيه بعض النقاد ، وإن كان نقله - وإنه من الثقات - كالإسناد ، لكن ليس ما فيه أعلام كالأغفال ، فاستخرت الله تعالى ، واستوفقت منه فأودعت كل حديث منه في مقره فأعلمت ما أغفله ، كما رواه الأئمة المتقنون ، والثقات الراسخون مثل أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ، وأبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي . وأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، وأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وأبي عيسى بن محمد الترمذي ، وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، وأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني ، وأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، وأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني ، وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، وأبي الحسن رزين بن معاوية العبدري ، وغيرهم ، وقليل ما هو .

وإني إذا نسبت الحديث إليهم كأني أسندت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنهم قد فرغوا منه ، وأغنونا عنه .

وسردت الكتب ، والأبواب كما سردها ، واقتفيت أثره فيها ، وقسمت كل باب غالبا على فصول ثلاثة : أولها : ما أخرجه الشيخان ، أو أحدهما ، واكتفيت بهما ، وإن اشترك فيه الغير ; لعلو درجتهما في الرواية .

وثانيها : ما أورده غيرهما من الأئمة المذكورين . وثالثها : ما اشتمل على معنى الباب من ملحقات مناسبة مع محافظة على الشريطة ، وإن كان مأثورا عن السلف ، والخلف . ثم إنك إن فقدت حديثا في باب ، فذلك عن تكرير أسقطه . وإن وجدت آخر بعضه متروكا على اختصاره ، أو مضموما إليه تمامه فعن داعي اهتمام أتركه ، وألحقه . وإن عثرت على اختلاف في الفصلين من ذكر غير الشيخين في الأول ، وذكرهما في الثاني فاعلم أني بعد تتبعي كتابي : ( الجمع بين الصحيحين ) للحميدي ، و ( جامع الأصول ) اعتمدت على صحيحي الشيخين ، ومتنيهما .

وإن رأيت اختلافا في نفس الحديث فذلك من تشعب طرق الأحاديث ، ولعلي ما اطلعت على تلك الرواية التي سلكها الشيخ - رضي الله عنه - وقليلا ما تجد أقول : ما وجدت هذه الرواية في كتب الأصول ، أو وجدت خلافها فيها .

فإذا ، وقفت عليه فانسب القصور إلي لقلة الدراية ، لا إلى جناب الشيخ رفع الله قدره في الدارين ، حاشا لله من ذلك ! . رحم الله من إذا وقف على ذلك نبهنا عليه ، وأرشدنا طريق الصواب . ولم آل جهدا في التنقير ، والتفتيش بقدر الوسع والطاقة ، ونقلت ذلك الاختلاف كما وجدت . وما أشار إليه رضي الله عنه من غريب أو ضعيف ، أو غيرهما بينت وجهه غالبا . وما لم يشر إليه مما في الأصول فقد قفيته في تركه ، إلا في مواضع لغرض ، وربما تجد مواضع مهملة ، وذلك حيث لم أطلع على راويه فتركت البياض . فإن عثرت عليه فألحقه به ، أحسن الله جزاءك . وسميت الكتاب بـ ( مشكاة المصابيح ) ، وأسأل الله التوفيق ، والإعانة ، والهداية ، والصيانة ، وتيسير ما أقصده ، وأن ينفعني في الحياة ، وبعد الممات ، وجميع المسلمين ، والمسلمات . حسبي الله ونعم الوكيل . ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .

التالي


الخدمات العلمية