صفحة جزء
5028 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظن ; فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا " . وفي رواية : " ولا تنافسوا " . متفق عليه .


5028 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياكم والظن ) أي : احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين قال تعالى : وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا قال القاضي : التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه اهـ . أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار ، ويؤيده قوله : ( فإن الظن ) : في موضع الظاهر زيادة تمكين في ذهن السامع حثا على الاجتناب ( أكذب الحديث ) : ويقويه حديث : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " وقيل أي أكذب حديث النفس ؛ لأنه يكون بإلقاء الشيطان أو اتقوا سوء الظن بالمسلمين قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن وهو ما يستقر عليه صاحبه دون ما يخطر بقلبه أن بعض الظن - وهو أن يظن ويتكلم - إثم ، فلا تجسسوا ، وهو الملائم لقوله : ( ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ) : بحاء مهملة في الأول وبالجيم في الثاني فقال ابن الملك : أي لا تطلبوا التطلع على خير أحد ولا على شره ، وكلاهما منهي عنه لأنه لو اطلعت على خير أحد ربما يحصل لك حسد بأن لا يكون ذلك الخير فيك ، ولو اطلعت على شره تعيبه وتفضحه ، وقد ورد : طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس . وفي شرح مسلم للنووي قال بعض العلماء : التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يقال في الشر . وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور . وقيل : هما بمعنى وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال .

[ ص: 3148 ] قلت : هذا أقرب الأقوال ، لكن الأنسب أن يقيد بالأخبار التي تقضي إلى سوء الظن ، كما يفيده الآية الشريفة ، وقد قرئ فيها بالحرفين ، لكن الحاء شاذ .

قال البيضاوي : أي لا تبحثوا على عورات المسلمين . تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس ، وقرئ بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ، ولذلك قيل للحواس الجواس اهـ . وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور بتلطف ومنه الجاسوس ، وبالحاء تطلب الشيء بالحاسة كاستراق السمع ، وإبصار الشيء خفية . وقيل : الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو غيره ، والثاني بنفسه ، وقيل الأول مخصوص بالشر والثاني أعم . ( ولا تناجشوا ) : من النجش بالجيم والمعجمة . قيل المراد به طلب الترفع والعلو على الناس وهو المناسب لسابقه ولاحقه . وقيل : أن يغري بعض بعضا على الشر والخصومة ، وهو من نتائج التجسس . وقيل : هو الزيادة في الثمن بغير رغبة في السلعة ، بل ليخدع المشتري بالترغيب من النجش رفع الثمن ، وهذا المعنى هو المشهور عند الفقهاء ، وقيل : من النجش معنى التنفير أي لا ينفر بعضكم بعضا بأن يسمعه كلاما أو يعمل شيئا يكون سبب نفرته ( ولا تحاسدوا ) أي : لا يتمنى بعضكم زوال نعمة بعض سواء أرادها لنفسه أو لا . قال تعالى : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض إلى أن قال : " واسألوا الله من فضله " أي مثل تلك النعمة أو أمثل منها ، وهذا الحسد المحمود المسمى بالغبطة ، كما تقدم في حديث " لا حسد إلا في اثنتين " الحديث . ( ولا تباغضوا ) أي : لا تختلفوا في الأهواء والمذاهب ; لأن البدعة في الدين والضلال عن الطريق المستقيم يوجب البغض كذا قيل ، والأظهر أن النهي عن التباغض تأكيد للأمر بالتحابب مطلقا إلا ما يختل به الدين ، فإنه لا يجوز حينئذ التحابب ، ويجوز التباغض لأن غرض الشارع اجتماع كلمة الأمة لقوله تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ولا شك أن التحابب سبب الاجتماع والتباغض موجب الافتراق ، فالمعنى لا يبغض بعضكم بعضا .

وقال بعض المحققين : أي لا تشتغلوا بأسباب العداوة إذ العداوة والمحبة مما لا اختيار فيه ، فإن البغض من نفار النفس عما ما يرغب عنه ، وأوله الكراهة ، وأوسطه النفرة ، وآخره العداوة ، كما أن الحب من انجذاب النفس إلى ما يرغب فيه ، ومبدؤه الميل ، ثم الإرادة ، ثم المودة وهما من غرائز الطبع والله أعلم . وقيل : لا توقعوا العداوة بين المسلمين ، فيكون نهيا عن النميمة لما فيه من تأسيس الفساد ، وهذا إذا لم يكن لمصلحة ، فإذا دعت كما لو أخبر أن إنسانا يريد الفتك به ، أو بأهله أو بماله ، فلا منع ، بل قد يكون واجبا . ( ولا تدابروا ) : بحذف إحدى التاءين فيه ، وفيما قبله من الأفعال الخمسة ، ويجوز تشديد التاء وصلا كما قرأ به البزي راوي ابن كثير من نحو : لا تيمموا أي : لا تقاطعوا ، ولا تولوا ظهوركم عن إخوانكم ، ولا تعرضوا عنهم مأخوذ من الدبر ، لأن كلا من المتقاطعين يولي دبره صاحبه وقيل معناه لا تغتابوا . ( وكونوا عباد الله إخوانا ) : خبر آخر أو بدل ، أو هو الخبر وعباد الله منصوب على الاختصاص بالنداء .

قال الطيبي : وهذا الوجه أوقع . قلت : بل وقوعه خبرا واقعا تحت الأمر أوجه ، لكون هذا الوجه مشعرا بالعلية من حيث العبودية ، ويؤيده أن في رواية ضبط عباد بالنصب ولله باللام الأجلية ، والمعنى أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم واحدة ، والتحاسد والتباغض والتقاطع منافية لحالكم ، فالواجب أن تعاملوا معاملة الأخوة والمعاشرة في المودة والمعاونة على البر والنصيحة بكل حسنة . قيل : الأخ النسبي يجمع على الإخوة . قال تعالى : فإن كان له إخوة والمجازي على الأخوان قال تعالى : إخوانا على سرر متقابلين . فقوله تعالى : إنما المؤمنون إخوة للمبالغة والمفهوم من القاموس عدم الفرق بينهما والله أعلم .

[ ص: 3149 ] ( وفي رواية : ولا تنافسوا ) : ظاهره أن محله بعد الكل ، ويحتمل أن يكون بدلا عن إحدى صيغ النهي ، ويمكن أن يكون بعد لا تحاسدوا وهو الأظهر ، ولذا قال الشراح : التنافس والتحاسد في المعنى واحد ، وإن اختلفا في الأصل . قلت : لكن التنافس يفيد المبالغة التي قد تفضي إلى المنازعة ، فالمعنى لا تحاسدوا ولا تنازعوا في الأمور الخسيسة الدينية والدنيوية ، بل ينبغي أن يكون تنافسكم في الأشياء النفسية المرضية الأخروية ، كما قال تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وما أنفس نفس الشاطبي حيث يذكر مضمون هذا الكلام الحديث بقوله :


عليك بها ما عشت فيها منافسا وبع نفسك الدنيا بأنفاسها العلى

.

( متفق عليه ) : وزاد في الجامع الصغير قوله : ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك . وقال : رواه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية