صفحة جزء
5037 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة ؟ قال : قلنا : بلى . قال : " إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة " . رواه أبو داود ، والترمذي وقال : هذا حديث صحيح " .


5037 - ( وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بأفضل ) أي : بعمل أفضل درجة وأكثر مثوبة . ( من درجة الصيام ) أي : نفلا بقرينة قوله : ( والصدقة ) : فإنها للمندوبة غالبا ( والصلاة ) . لعل تأخيرها للترقي ، وظاهر الواو أنه للجمع ، فالمعنى أنه أفضل من فعل مجموعها ، ويحتمل أن يكون بمعنى " أو " فالمعنى أنه أفضل من كل منها ، والأول أبلغ في مقام الترغيب كما لا يخفى . قال الأشراف : المراد بهذه المذكورات النوافل دون الفرائض . قلت : والله أعلم بالمراد إذ قد يتصور أن يكون الإصلاح في فساد يتضرع عليه سفك الدماء ، ونهب الأموال ، وهتك الحرم أفضل من فرائض هذه العبادات القاصرة مع إمكان قضائها على فرض تركها فهي من حقوق الله التي هي أهون عنده سبحانه من حقوق العباد ، فإذا كان كذلك ، فيصح أن يقال هذا الجنس من العمل أفضل من هذا الجنس ، لكون بعض أفراده أفضل كالبشر خير من الملك والرجل خير من المرأة . ( قال ) أي : أبو الدرداء ( قلنا : بلى ) أي أخبرنا وفي نسخة زيادة : يا رسول الله ( قال : إصلاح ذات البين ) ، [ ص: 3154 ] أي : هو هذا قيل يريد بذات الخصلة التي تكون بين القوم من قرابة ومودة ونحوهما . وقيل : المراد بذات البين المخاصمة والمهاجرة بين اثنين بحيث يحصل بينهما بين أي : فرقة ، والبين : من الأضداد الوصل والفرق . وقال الطيبي : إصلاح ذات البين أي أحوال بينكم ، يعني ما بينكم من الأحوال ألفة ومحبة واتفاق كقوله تعالى : والله عليم بذات الصدور وهي مضمراتها . ولما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها : ذات البين كقولهم : اسقني ذا إنائك يريدون ما في الإناء من الشراب ، كذا في الكشاف في قوله تعالى : وأصلحوا ذات بينكم اهـ .

ولما كان الكلام السابق في قوة صلاح ذات البين هي الخصلة الصادقة قال : ( وفساد ذات البين هي الحالقة ) أي : الماحية والمزيلة للمثوبات والخيرات ، والمعنى يمنعه شؤم هذا الفعل عن تحصيل الطاعات والعبادات ، وقيل : المهلكة من حلق بعضهم بعضا أي : قتل مأخوذ من حلق الشعر ، وفي النهاية هي الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي : تهلك ، وتستأصل الدين كما يستأصل الموس الشعر ، وقيل : هي قطيعة الرحم والتظالم . وقال الطيبي : فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها ; لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله ، وعدم التفرق بين المسلمين ، وفساد ذات البين ثلمة في الدين ، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه ، فعلى هذا ينبغي أن يحمل الصلاة والصيام على الإطلاق ، والحالقة على ما يحتاج إليه أمر الدين . ( رواه أبو داود ، والترمذي ) . وكذا الإمام أحمد . ( وقال ) : أي الترمذي ( هذا حديث صحيح ) . قال ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين " اهـ .

وفي الباب أحاديث كثيرة : منها ، ما نقله ميرك عن المنذري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عمل شيء أفضل من الصلاة وإصلاح ذات البين " . رواه الأصبهاني . وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين " . رواه الطبراني والبزار وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، وحديثه هذا حسن لحديث أبي داود والترمذي ، عن أبي الدرداء . وعن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا أيوب ! ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها ؟ " قلت : بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي . قال : " تصلح بين الناس ; فإنها صدقة يحب الله موضعها " . رواه الأصبهاني . وفي رواية له والطبراني أيضا : " ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله ؟ تصلح بين الناس إذا تغاضبوا وتفاسدوا " . وفي رواية للطبراني ، والبزار : " ألا أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله ؟ " قال : " من أصلح بين الناس أصلح الله أمره ، وأعطاه بكل كلمة تكلم بها عتق رقبة ، ورجع مغفورا له ما تقدم من ذنبه " . رواه الأصبهاني . وهو حديث غريب جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية