صفحة جزء
5058 - وعن عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربع وعشرين جزءا من النبوة " . رواه الترمذي .


5058 - ( وعن عبد الله بن سرجس ) : كنرجس بكسر الجيم وفتح السين ، وفي نسخة بفتح الجيم وكسر السين وسبق تحقيقه ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " السمت الحسن ) أي : السيرة المرضية والطريقة المستحسنة . قال شارح : السمت الطريق ، ويستعار لهيئة أهل الخير ، وفي الفائق : السمت أخذ المنهج ولزوم المحجة . ( والتؤدة ) أي : التأني في جميع الأمور ( والاقتصاد ) أي : التوسط في الأحوال والتحرز عن طرفي الإفراط والتفريط . قال التوربشتي : الاقتصاد على ضربين أحدهما : ما كان متوسطا بين محمود ومذموم كالمتوسط بين الجور والعدل والبخل والجود ، وهذا الضرب أريد بقوله تعالى : ( ومنهم مقتصد ) والثاني محمود على الإطلاق ، وذلك فيما له طرفان إفراط وتفريط كالجود ، فإنه بين الإسراف والبخل والشجاعة ، فإنها بين التهور والجبن ، وهذا الذي في الحديث هو الاقتصاد المحمود على الإطلاق . قلت : ومن هذا القبيل الاقتصاد في الاعتقاد ، فإنه بين التعطيل والتشبيه ، وبين الجبر والقدر والاقتصاد في المعيشة ، ومنه قوله تعالى : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ومنه حديث : الاقتصاد في النفقة في المعيشة ، وحديث : ما عال من اقتصد ، وكذا حكم الاقتصاد في سائر الأفعال ، ومنه قوله تعالى : واقصد في مشيك واغضض من صوتك وقوله عز وجل : وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وقال بعض العارفين : اطلب العلم بحيث لم يمنعك عن العمل ، واعمل بحيث لا يشغلك عن العلم . ( جزء ) أي : كلها أو كل منها ( من أربع وعشرين جزءا ) : ويؤيد الأخير ما رواه الضياء عن أنس مرفوعا : " السمت الحسن جزء من خمسة وسبعين جزءا من النبوة " مع زيادة إفادة أن المراد بالعدد المذكور التكثير لا التحديد ، وينصره الحديث الآتي حيث قال : جزء من خمس وعشرين ، على أنه يمكن الاختلاف بحسب اختلاف الكمية والكيفية الحاصلة في المتصف به ، وأما ما قال الشارح من أن التفاوت بين العددين من خمس وأربع يحتمل أن يكون من غلط الرواة ، فهو احتمال غلط منه ، وسببه الغفلة عما ذكرناه نقلا وعقلا والله أعلم .

قال القاضي : كان الصواب أن يقول أربعة على التذكير ، فلعله أنث على تأويل الخصلة أو القطعة أو لإجراء الجزء مجرى الكل في التذكير والتأنيث . قلت : التأويلات كلها مستحسنة ، وأما قوله : وكان الصواب ، فظاهر لا يخفى ( من النبوة ) أي : من أجزائها . قال الخطابي : الهدي والسمت حالة الرجل ومذهبه والاقتصاد سلوك القصد في الأمور والدخول فيها لرفق على سبيل تمكين الدوام عليها ، يريد أن هذه الخصال من شمائل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأنها جزء من أجزاء فضائلهم ، فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها ، وليس معناه أن النبوة تتجزأ ، ولا أن من جمع هذه الخصال كان نبيا ، فإن النبوة غير مكتسبة وإنما هي كرامة يخص الله بها من يشاء من عباده ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، ويحتمل أن يكون معناه أن هذه الخلال مما جاءت به النبوة ودعا إليها الأنبياء ، وقيل : معناه أن من جمع هذه الخصال لقيه الناس بالتوقير والتعظم ، وألبسه الله لباس التقوى الذي ألبسه أنبياءه عليهم الصلاة والسلام فكأنها جزء من النبوة . قال التوربشتي : والطريق إلى معرفة ذلك العدد ووجهه بالاختصاص من قبل الرأي والاستنباط مسدود ، فإنه من علوم النبوة ، وقد سبق القول في هذا المعنى في كتاب الرؤيا . ( رواه الترمذي ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية