صفحة جزء
5113 - وعن عطية بن عروة السعدي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما يطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " .

رواه أبو داود .


5113 - ( وعن عطية بن عروة السعدي ) : منسوب إلى سعد ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الغضب من الشيطان ) أي : من أثر وسوسته ( وإن الشيطان خلق من النار ) : قال تعالى : ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) ، وقال : ( خلقتني من نار ) ، وهذا دليل على أنه من الجن ; لأن الملائكة خلقوا من النور ، ومعنى خلقه منها أن عنصره الناري غالب على سائر أجزائه ، بخلاف الإنسان ( وإنما يطفأ ) : بصيغة المجهول مهموز أي : يدفع ( النار ) ، أي : الحسية ( بالماء ) أي : الحقيقي ( فإذا غضب أحدكم ) أي : واشتعلت نار غضبه من جوفه ، ويريد إحراق المغضوب عليه بنوع من عذابه . ( فليتوضأ ) : فإن الوضوء مركب [ ص: 3194 ] معجون من الماء الحسي والمطهر المعنوي المؤثر في الظاهر والباطن ، وهذا من طب الأنبياء الذي غفلوا عنه الحكماء ، وأغرب الطيبي حيث أخرج الحديث عن حقيقته الأصلية من غير باعث من الأمور النقلية والعقلية فقال : أراد أن يقول : إذا غضب أحدكم ، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ; فإن الغضب من الشيطان ، فصور حالة الغضب ومنشأه ، ثم الإرشاد إلى تسكينه ، فأخرج الكلام هذا المخرج ليكون أجمع وأنفع ، وللموانع أزجر ، وهذا التصوير لا يمنع من إجرائه على الحقيقة لأنه من باب الكناية اهـ .

والصواب أن الاستعاذة علاج آخر مستقل كما ورد به الأثر على ما ذكره الجرزي في الحصن ، حيث قال : ومن غضب فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ، ونسبه إلى البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي عن سليمان بن صرد ، وهو مقتبس من قوله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ورواه ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة بلفظ : " إذا غضب الرجل فقال : أعوذ بالله سكن غضبه " وجملة الأمر أن هذا علاج قولي سهل التنازل والحصول ، والوضوء معالجة فعلية صعب الوصول ، لا سيما والوضوء مقدمة للصلاة ، فهو بمنزلة المعجون المسهل المخرج للمواد الفاسدة من أصلها ، وأما مجرد الاستعاذة فهم بمنزلة الاستفراغ لتخلية المعدة من آثار التخمة ، وحاصله أن الحكيم الكامل يدرج في المعالجة ، ويعلم مزاج كل صاحب علة بما يوافقه ، ويناسبه من خواص الأشياء المفردة والمركبة وأنواع الغضب كالأمراض المختلفة فعلى العليل أن يسلم تسليما ويجعل حسه بين يدي الطيب الحبيب الكامل كالميت بين يدي الغاسل ، وخلاصة الكلام أنه إذا أحس بالغضب ، فليتعوذ بالله أولا ، ثم إذا رأى أنه ما يزول له يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين لله تعالى ، فإنه دواء صبر كريه على الطبع الشيطاني والمزاج النفساني ، بل هو كعروق السوس يخرج كل مرض مدسوس . قال تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ( رواه أبو داود ) : وكذا أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية