صفحة جزء
[ ص: 96 ] 22 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر ، أقلب الليل والنهار ) متفق عليه .


22 - ( وعن أبي هريرة ) : وإنما لم يقل : وعنه ؛ لئلا يتوهم مرجعه إلى ابن عباس ، فإنه أقرب مذكور ، وإن كان أبو هريرة هو المعنون في العنوان ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تعالى : يؤذيني ) بالهمز ويبدل ، أي يقول في حقي ( ابن آدم ) ما أكره ، وينسب إلي ما لا يليق بي ، أو ما يتأذى به من يصح في حقه التأذي ؛ ولذا قيل : هذا الحديث من المتشابه ؛ لأن تأذي الله تعالى محال فإما أن يفوض وإما أن يئول كما تقدم ، وقد يطلق الإيذاء على إيصال المكروه للغير بقول أو فعل ، وإن لم يتأثر به فإيذاء الله تعالى فعل ما يكرهه ، وكذا إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنه قوله تعالى : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) ( يسب الدهر ) بصيغة المضارع استئناف بيان ، وروي بحرف الجر وفتح السين وجر الدهر ، يعني ظنا منه أن الدهر يعطي ويمنع ويضر وينفع . ( وأنا الدهر ) يروى برفع الراء ، قيل : هو الصواب ، وهو مضاف إليه أقيم مقام المضاف أي أنا خالق الدهر ، أو مصرف الدهر ، أو مقلبه ، أو مدبر الأمور التي نسبوها إليه ، فمن سبه بكونه فاعلها عاد سبه إلي ؛ لأني أنا الفاعل لها ، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور ، وأتى بأداة الدهر مبالغة في الرد على من يسبه ، وهم صنفان : دهرية لا يعرفون للدهر خالقا ويقولون : ( وما يهلكنا إلا الدهر ) أو معترفون بالله تعالى لكنهم ينزهونه عن نسبة المكاره إليه ، فيقولون : تبا له ، وبؤسا ، وخيبة ، ونحو ذلك . وقد يقع من بعض عوام المؤمنين جهالة وغفلة ، ويروى بنصب الدهر على الظرفية أي أنا الفاعل أو المتصرف في الدهر ، وقيل : الدهر الثاني غير الأول ، فإنه بمعنى زمان مدة العالم من مبدأ التكوين إلى أن ينقرض ، أو الزمن الطويل المشتمل على تعاقب الليالي والأيام ، بل هو مصدر بمعنى الفاعل ، ومعناه أنا الداهر المتصرف المدبر المفيض لما يحدث . وقال الراغب : الأظهر أن معناه أنا فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير والشر والمسرة والمساءة ، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموني ( بيدي الأمر ) : بالإفراد وفتح الياء وتسكن ، ويجوز التثنية وفتح الياء المشددة للتأكيد والمبالغة ، أي الأمور كلها خيرها وشرها حلوها ومرها تحت تصرفي ( أقلب الليل والنهار ) كما أشاء بأن أنقص فيهما أو أزيد ، وأقلب قلوب أهلهما كما أريد ( متفق عليه ) ورواه أحمد وأبو داود ، ورواه مسلم عنه أيضا بلفظ : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يقول : يا خيبة الدهر ، فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر ؛ فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية