صفحة جزء
5128 - وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " . رواه مسلم . وذكر حديث جابر : " اتقوا الظلم " . في " باب الإنفاق " .


5128 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتؤدن ) : بفتح الدال المشددة وفي بعض النسخ بضمها فقوله : ( الحقوق ) : بالرفع على الأول وبالنصب على الثاني ( إلى أهلها يوم القيامة ) : وجزم شارح وقال : هو بفتح الدال على بناء المجهول والحقوق أقيم مقام فاعله . وقال ابن الملك : اللام فيه جواب قسمه مقدر والدال فيه مضمومة ، والفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به والحقوق مفعوله ، وقيل : الدال فيه مفتوحة على بناء المجهول والحقوق نائب الفاعل ، لكن هذا غير مستقيم ، لأنه لو كان كذلك لظهر الياء وقال : لتؤدين اهـ . وأراد أنه حينئذ صيغة الواحدة ، فيكون حكمه حكم اخشين واغزون وارمين بتسكين اللامات وفتحها على طبق التثنية ، كما تقول : اخشيا وارميا واغزوا على ما حقق في محله . قال التوربشتي : هو على بناء المجهول . والحقوق : مرفوع هذه هي الرواية المعتد بها ، ويزعم بعضهم ضم الدال ونصب الحقوق ، الفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به ، والصحيح ما قدمناه اهـ .

[ ص: 3203 ] والظاهر أنه أراد صحة الرواية وإلا فقد تقدم صحة الدراية باعتبار الصيغة التصريفية ، ويؤيد كلام الشيخ ضبط الكلمة بفتح الدال في أصل السيد وسائر الأصول المعتمدة والنسخ المصححة ، ولعل وجهه أنه عومل معاملة الفعل الصحيح حيث يقال في المفرد المجهول : ليضربن بفتح الموحدة ، وقد غفل الطيبي عن هذا المبنى ، وذهب إلى رعاية المعنى حيث قال : إن كان الرد لأجل الرواية فلا مقال ، وإن كان بحسب الدراية ، فإن باب التغليب واسع ، فيكون قد غلب العقلاء على غيرهم وجعل قوله : ( حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) : غاية بحسب التغليب كما في قوله تعالى : جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه فالضمير في يذرؤكم راجع إلى الأناسي والأنعام على التغليب اهـ .

والمعنى يكثركم من الذرء وهو البث ، وقوله : ( فيه ) أي : في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد ، فإنه كان كالمنبع للبث والتكثير ذكره البيضاوي ، وجعل في للظرفية المعنوية وشبه التدبير بالمنبع ، وفي الإتقان أن في بمعنى الباء أي : بسببه ، وهو ظاهر جدا ، وهذا إذا أريد بالجلحاء والقرناء الشاتان المعروفتان ، وأما إذا أريد بالجلحاء الفقير أو المظلوم وبالقرناء الغني أو الظالم على ما قيل فلا يحتاج إلى ارتكاب التغليب والأمر قريب ، ثم الجلحاء بجيم فلام فحاء مهملة .

قال النووي : الجلحاء بالمد هي الجماء التي لا قرن لها ، والقرناء ضدها ، وهذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها كما يعاد أهل التكليف من الآدميين والأطالل والمجانين ، ومن لم تبلغه دعوة ، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة . قال تعالى جل جلاله ولا إله غيره : وإذا الوحوش حشرت وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره شرع ولا عقل وجب حمله عن ظاهره قالوا : وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب ، وأما القصاص من القرناء للجلحاء ، فليس من قصاص التكليف ، بل هو قصاص مقابلة اهـ . وفي كونه قصاص مقابلة نظر لا يخفى ، مع أن قصاص المقابلة نحن مكلفون به أيضا .

قال ابن الملك أي : لو نطح شاة قرناء شاة جلحاء في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة يؤخذ القرن من القرناء ويعطى الجلحاء حتى تقتص لنفسها من الشاة القرناء ، فإن قيل : الشاة غير مكلفة ، فكيف يقتص منها ؟ قلنا : إن الله تعالى فعال لما يريد ولا يسأل عما يفعل ، والغرض منه إعلام العباد بأن الحقوق لا تضيع ، بل يقتص حق المظلوم من المظالم اهـ . وهو وجه حسن وتوجيه مستحسن إلا أن التعبير عن الحكمة بالغرض وقع في غير موضعه ، وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين ، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف ، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف والقوي والضعيف ؟ ( رواه مسلم ) : وفي الجامع بزيادة تنطحها . رواه أحمد ومسلم والبخاري في الأدب والترمذي .

( وذكر حديث جابر اتقوا الظلم ) : تمامه : فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ; فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ( في باب الإنفاق ) أي : من كتاب الزكاة ، وهذا من المؤلف إن كان عن تكرار أسقطه فهو اعتذار حسن ، وأما إن كان من باب تحويل الحديث إلى باب أنسب منه فهو اعتراض لكن في غير المحل شامل .

التالي السابق


الخدمات العلمية