صفحة جزء
5190 - وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، فقلت : لا ، يا رب ! ولكن أشبع يوما وأجوع يوما ، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " رواه أحمد ، والترمذي .


5190 - ( وعنه ) أي : عن أبي أمامة ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي ربي " ) أي : إلي عرضا حسيا أو معنويا ، وهو الأظهر ، والمعنى شاورني وخيرني بين الوسع في الدنيا ، واختيار البلغة لزام العقبى من غير حساب ولا عتاب . ( " ليجعل لي " ) أي : ملكا لي أو مخصوصا لأمتي على تقدير إقبالي عليها ، والتفاتي إليها ، ويصير لأجلي ( " بطحاء مكة " ) أي : أرضها ورمالها ( " ذهبا " ) أي : بدل حجرها ومدرها ، وأصل البطحاء مسيل الماء ، وأراد هنا عرصة مكة وصحاريها فإفاضته بيانية . قال الطيبي ، قوله : بطحاء مكة تنازع فيه عرض وليجعل أي : عرض علي بطحاء ليجعلها لي ذهبا ( " فقلت : لا " ) أي : لا أريد ولا أختار . ( " يا رب ! ولكن أشبع يوما " ) أي : أختار أو أريد أن أشبع وقتا أي : فأشكر ( " وأجوع يوما " ) أي : فأصبر كما فصله وبينه [ ص: 3250 ] بقوله : ( " فإذا جعت تضرعت إليك " ) أي : بعرض الافتقار عليك ( " وذكرتك " ) أي : بسببه فإن الفقر يورث الذكر ، كما في الغنى يوجب الكفر ( " وإذا شبعت حمدتك " ) أي : بما ألهمتني من ثنائك ( " وشكرتك " ) : على إشباعك وسائر نعمائك . قال الطيبي رحمه الله : جمع في القرينتين بين الصبر والشكر ، وهما صفتا المؤمن الكامل . قال تعالى : إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور الكشاف : صبار على بلائه شكور لنعمائه وهما صفتا المؤمن المخلص ، فجعلهما كناية عنه ، أقول : وتحقيقه على طريقة الصوفية السادة الصفية أن الصفتين المذكورتين والخصلتين المسطورتين ناشئتان من تربية الله للسالك بين صفتي الجلال والجمال ، إذ بهما تتم مرتبة الكمال ، وهو الرضا عن المولى بكل حال بخلاف حال المتحرفين ، وأفعال المتحيرين المذنبين حيث قال تعالى : فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون وقال : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين . ( رواه أحمد ، والترمذي ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية