صفحة جزء
5244 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين " . فقالت عائشة : لم يا رسول الله ؟ قال : " إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، يا عائشة ! لا تردي المسكين ولو بشق تمرة ، يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم ، فإن الله يقربك يوم القيامة " . رواه الترمذي والبيهقي في ( شعب الإيمان ) .


5244 - ( وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم أحيني مسكينا " ) : ولم يقل فقيرا لئلا يتوهم كونه محتاجا حقيرا ، فينافيه دعاؤه اللهم اجعلني في نفسي صغيرا وفي أعين الناس كبيرا ، وأما المسكين فهو من مادة المسكنة وهو التواضع على وجه المبالغة ولو أفضى إلى المذلة ، أو من السكون والسكينة وهو الوقار والاطمئنان والقرار تحت أحكام الأقدار رضا بقضاء الجبار ، وقال بعضهم : أي اجعلني متواضعا لا جبارا متكبرا ، وفيه تعليم الأمة ليعرفوا فضل الفقراء ، فيحبوهم ويجالسوهم لينالهم بركتهم ، وفيه تسلية للمساكين ، وتنبيه على علو درجاتهم ، ويجوز أن [ ص: 3283 ] يراد بهذا أن يجعل قوته كفافا ولا يشغله بالمال ، فإن كثرة المال في حق المقربين مؤنة من المآل وخشونة الحال . ( " وأمتني " ) : وفي رواية الحاكم : وتوفني ( " مسكينا " ) : دل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان على وصف المسكنة إلى آخر العمر ، ( " واحشرني في زمرة المساكين " ) . أي فريقهم وجماعتهم ، وفيه مبالغة لا تخفى لأنه لو قال : واحشرهم في زمرتي لكان لهم فضل كثير وعلو كبير ، ونظيره ما قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " حيث لم يقل كفضلي على أعلاكم ، هذا وقد مر بعض سلاطين الإسلام على طائفة من الفقراء والصلحاء الكرام ، فلم يلتفتوا إليه ولم يقبلوا عليه فقال : من أنتم ؟ فقالوا : نحن قوم محبتنا ترك الدنيا وعداوتنا ترك العقبى ، فجاوزهم وتجاوزهم وتجاوز عنهم ، وقال : نحن لم نقدر على محبتكم ولا طاقة لنا على عداوتكم .

( فقالت عائشة رضي الله عنها : لم يا رسول الله ؟ ) أي : لأي شيء دعوت هذا الدعاء واخترت الحياة والممات والبعثة مع المساكين والفقراء دون أكابر الأغنياء ؟ ( " قال : " إنهم ) : استئناف في معنى التعليل أي : لأنهم مع قطع النظر عن بقية فضائلهم وحسن أخلاقهم وشمائلهم ( " يدخلون الجنة قبل أغنيائهم " ) أي : زمانا ومكانا ومكانة ( " بأربعين خريفا " ) ، والاكتفاء به لأنه أقل موعود في مدة لمسابقة كمضاعفة الحسنة بالعشرة في الطاعة ( " يا عائشة ! لا تردي المسكين " ) أي : لا ترديه خائبا بل سامحيه جائيا وآيبا وأحسني إليه قليلا أو كثيرا ( " ولو بشق تمرة " ) أي : بنصفها أو ببعضها أو رديه ردا جميلا تستحقي به جزاء جزيلا ، ولذا لما وقف مسكين عندها وأعطته حبة عنب بقيت في يدها وعاتب المسكين عليها ولم يدر ما ألقى من الفهم إليها قالت قال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . والحبة مشتملة على مقدار كذا من الذرة . ( يا عائشة ! أحبي المساكين ) أي : بقلبك ( " وقربيهم " ) ، أي : إلى مجلسك حال تحديثك ( " فإن الله يقربك يوم القيامة " ) . أي : بتقريبهم ، تقربا إلى الله سبحانه وتعالى ( رواه ) أي الحديث بكماله ( الترمذي والبيهقي في : " شعب الإيمان " ) أي : عن أنس .

التالي السابق


الخدمات العلمية