صفحة جزء
[ 2 ] باب الأمل والحرص

الفصل الأول

5268 - عن عبد الله - رضي الله عنه - قال : خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، فقال : " هذا الإنسان ، وهذا أجله محيط به ، وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطوط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهسه هذا ، وإن أخطأه هذا نهسه هذا " . رواه البخاري .


[ 2 ] باب الأمل والحرص

الجوهري : الأمل الرجاء ، وقال الراغب : الحرص فرط الشره في الإرادة . قال تعالى : إن تحرص على هداهم أي : إن تفرط إرادتك في هدايتهم ، وفي القاموس : أسوأ الحرص أن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك انتهى . والمراد بالأمل هنا طول الأمل في أمر الدنيا غافلا عن الاستعداد للموت ، وزاد العقبى كما قال سبحانه : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل وأما طول الأمل في تحصيل العلم والعمل ، فمحمود بالإجماع كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " طوبى لمن طال عمره وقال : لو عشت إلى قابل لأصومن التاسع " وكذلك الحرص في أمر جمع المال وكثرة الجاه والإقبال مذموم ، وإلا فالحرص على القتال ، وعلى تحصيل العلوم ، وتكثير الأعمال ، فمستحسن بلا نزاع ، ثم تحقيق الأمل على ما حققه المحققون من أهل اليقين ما ذكره الغزالي في منهاج العابدين رحمه الله أنه قال أكثر علمائنا : إنه إرادة الحياة للوقت المتراخي بالحكم ، وقصر الأمل ترك الحكم [ ص: 3297 ] فيه بأن يقيده بالإسناد لمشيئة الله سبحانه وعلمه في الذكر ، أو بشرط الصلاح في الإرادة فإذن إن ذكرت حياتك بأن أعيش بعد نفس ثان ، أو ساعة ثانية أو يوم ثان بالحكم والقطع فأنت آمل ، وذلك منك معصية إذ هو حكم على الغيب ، وإن قيدته بالمشيئة والعلم من الله تعالى ، فقد خرجت عن حكم الأمل فتأمل ، وإنما جمع بينهما في العنوان لتلازمهما في الإمكان ، وقدم الأمل لأنه الباعث على تأخير العمل والحرص على الزلل .

الفصل الأول

5268 - ( عن عبد الله ) أي : ابن مسعود ( قال : خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطا مربعا ) : الظاهر أنه كان بيده المباركة على الأرض . قال الطيبي رحمه الله : المراد بالخط الرسم والشكل ( وخط ) أي : خطا كما في نسخة مصححة ، والمعنى وخط ( خطا ) : آخر ( في الوسط ) أي : وسط التربيع ( خارجا منه ) أي : حال كون الخط خارجا من أحد طرفي المربع ( وخط خططا ) : بضم الخاء المعجمة والطاء الأولى للأكثر وجوز فتح الطاء أي : خطوطا ( صغارا ) : جمع صغيرة ( إلى هذا ) أي : متوجهة ومائلة ومنتهية إلى هذا الخط ( الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ) أي : من جانبيه اللذين في الوسط ، فالمراد بالمفرد الجنس ( فقال : " هذا الإنسان " ) أي : الخط الوسط كذا قاله شارح والظاهر أن المراد بهذا مركز الدائرة المربعة ، وإن كان ليس له صورة مستقلة في الخط الظاهري ، أو المراد بهذا مجموع التصوير . المعلوم خطا المفهوم ذهنا ، فإن الإنسان مع ما فيه من الأمل العوارض المنتهية إلى الأجل المشار إليه بهذا ، فالتقدير أن هذا الخط المصور مجموعة هو الإنسان ، ( " وهذا " ) أي : الخط المربع ( " أجله " ) أي : مدة أجله ومدة عمره ( " محيط به " ) ، أي : من كل جوانبه بحيث لا يمكنه الخروج والفرار منه ، ( " وهذا الذي هو خارج " ) أي : من المربع ( " أمله " ) أي : مرجوه ومأمور له الذي يظن أنه يدركه قبل حلول أجله ، وهذا خطأ منه لأن أمله طويل لا يفرغ منه وأجله أقرب إليه منه ، ( " وهذه الخطط " ) أي : الخطوط ( " الصغار الأعراض " ) ، أي الآفات والعاهات والبليات من المرض والجوع والعطش وغيرها مما يعرض للإنسان وهو جمع عرض بالتحريك ( فإن أخطأه هذا ) أي : أحد الأعراض ( " نهسه " ) : بسين مهملة ، وقيل : بمعجمة أي : أصابه وعضه ( " هذا " ) أي : عرض آخر ، وعبر عن الإصابة بالفقر وهو لدغ ذات السم مبالغة في المضرة ( " وإن أخطأه هذا " ) أي : عرض آخر ( " نهسه هذا " ) أي : عرض آخر وهلم جرا إلى انقضاء الأجل ، وعدم انتهاء الأمل ، وصورة الخط هذه عند بعضهم .

قال الشيخ ابن حجر العسقلاني رحمه الله : هذه الصفة هي المعتدة ، وسياق الحديث يتنزل عليه ، فالإشارة بقوله : هذا الإنسان إلى النقطة الداخلة ، وبقوله : وهذا أجله محيط به إلى المربع ، وبقوله : وهذا الذي هو خارج أمله إلى الخط المستطيل المنفرد ، وبقوله : وهذه إلى الخطوط وهي مذكورة على سبيل المثال ، لا أن المراد انحصارها في عدد معين ، ويؤيده قوله : في حديث أنس بعده إذ جاءه الأقرب إلى الخط المحيط به ، ولا شك أن الذي يحيط به أقرب إليه من الخارج عنه ، انتهى . والأولى أن يجعل عدد الخطوط سبعا لإتيان هذا العدد كثيرا على لسان الشارع ، ولأنه عشر العدد الذي يعبر به عن الكثرة مع الإيماء إلى الأعضاء السبعة للإنسان ، والأطوار السبعة في مراتب الإيقان ، ومرور الأيام السبعة على دوران الأفلاك السبعة المحيطة بالأراضي السبعة ، ثم اعلم أن ما أشار الشيخ به إلى النقطة الداخلة فغير مستفاد من التصوير النبوي ، ولذا ما صوره غير واحد من الشراح كالطيبي رحمه الله ، ثم رأيت صورة أخرى غير الصورة المسطورة المشهورة وهي هذه : فهذه الهيئة هي المطابقة لما قاله بعض الشراح ، والأظهر في التصوير فتدبر . ( رواه البخاري ) .

[ ص: 3298 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية