صفحة جزء
5273 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب " . متفق عليه .


5273 - ( وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو كان لابن آدم " ) أي : فرضا وتقديرا ( " واديان من مال " ) : وفي رواية : من ذهب ( " لابتغى " ) أي : لطلب ( ثالثا ) ، أي : واديا آخر أعظم منهما ذخرا وهلم جرا كما يشير إليه بقوله : ( " ولا يملأ جوف ابن آدم " ) أي : بطنه أو وسط عينه ( " إلا التراب " ) ، أي : تراب الفقر ، ففيه تنبيه نبيه على أن البخل المورث للحرص مركوز في جبلة الإنسان ، كما أخبر الله تعالى عنه سبحانه في القرآن حيث قال أبلغ من هذا الحديث والمقال : قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا فهذا يدل على أن حرص ابن آدم وخوفه من الفقر الباعث له على البخل حتى على نفسه أقوى من الطير الذي يموت عطشا على ساحل البحر خوفا من نفاده ، ومن الدودة التي قوتها التراب وتموت جوعا خشية من فراغه ، لأن ما ذكر من الماء والتراب في جنب خزائن رحمة رب الأرباب كقطرة من السحاب . ( " ويتوب الله " ) أي : يرجع بالرحمة ( " على من تاب " ) . أي : رجع إليه بطلب العصمة أو يتفضل الله بتوفيق التوبة وتحقيق استعاذة العقبى على من تاب أي : من محبة الدنيا والغفلة عن حضرة المولى .

قال النووي رحمه الله : معناه أنه لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره ، وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا ويؤيده قوله : ويتوب الله على من تاب ، وهو متعلق بما قبله ، ومعناه أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات .

قال الطيبي رحمه الله : ويمكن أن يقال معناه إن بني آدم كلهم مجبولون على حب المال والسعي في طلبه ، وأن لا يشبع منه إلا من عصمه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم ، فوضع ويتوب الله على من تاب موضعه إشعارا بأن هذه الجبلة المركوزة فيه مذمومة جارية مجرى الذنب ، وأن إزالتها ممكنة ، ولكن بتوفيق الله وتسديده ونحوه قوله تعالى : ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون أضاف الشح إلى النفس دلالة على أنها غزيرة فيها وبين إزالته لقوله : يوق ، ورتب عليه قوله : ( فأولئك هم المفلحون ) ، وههنا نكتة دقيقة فإنه ذكر ابن آدم تلويحا إلى أنه مخلوق من التراب ، ومن طبيعته القبض واليبس ، فيمكن إزالته بأن يمطر الله عليه السحائب من عمائم توفيقه ، فيثمر حينئذ الخصال الذكية والشمائل الرضية ، كما قال تعالى جل جلاله : والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا فمن لم يتداركه التوفيق وتركه وحرصه لم يزدد إلا حرصا وتهالكا على جمع المال ، وموقع قوله : ولا يملأ جوف ابن آدم موقع ركوز الجبلة ونيط له حكم أشمل وأعم ، كأنه قيل : ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب ، وموقع ويتوب الله على من تاب موقع الرجوع يعني : أن ذلك العسير صعب ، ولكن يسير على من يسر الله تعالى عليه ، فحقيق أن لا يكون هذا من كلام البشر ، بل هو من كلام خالق القوى والقدر .

روينا عن الترمذي عن أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا وقرأ فيها : إن الدين عند الله الحنيفية المسلمية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية ، ومن يعمل خيرا فلن يكفر ، وقرأ عليه : لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا ولو أن له ثانيا لابتغى إليه ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب . انتهى ( رواه البخاري ) [ ص: 3300 ] قال ميرك ناقلا عن التصحيح حديث : " لو كان لابن آدم واديان " إلى آخره رواه البخاري بهذا اللفظ من حديث ابن عباس ، وبمعناه من حديث أنس ومسلم بهذا اللفظ ، وبمعناه من حديث ابن عباس رواه الترمذي أيضا ، وقد ثبت في الحديث أن هذا كان قرآنا فنسخ خطه . رواه أحمد وغيره . وفي رواية لابن عباس وأنس : فلا ندري أشيء أنزل أم شيء كان يقوله ؟ ولأنس عن أبي قال : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزل : ألهاكم التكاثر أخرجه البخاري انتهى . في الجامع " لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانيا ، ولو أن له واديان لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب " رواه أحمد والشيخان والترمذي عن أنس ، وأحمد والشيخان عن ابن عباس ، والبخاري عن ابن الزبير ، والنسائي عن أبي هريرة ، وأحمد عن أبي واقد ، والبخاري في تاريخه والبزار عن بريدة ، ورواه أحمد وابن حبان عن جابر ولفظه : " لو كان لابن آدم واد من نخل لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب " .

التالي السابق


الخدمات العلمية