صفحة جزء
5286 - وعن عبيد بن خالد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين رجلين ، فقتل أحدهما ، ثم مات الآخر بعده بجمعة أو نحوها ، فصلوا عليه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما قلتم ؟ " قالوا : دعونا الله أن يغفر له ويرحمه ويلحقه بصاحبه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأين صلاته بعد صلاته ، وعمله بعد عمله ؟ " أو قال : " صيامه بعد صيامه ; لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض " رواه أبو داود والنسائي .


[ ص: 3307 ] 5286 - ( وعن عبيد ) : بالتصغير ( بن خالد ) قال المؤلف في فضل الصحابة : سلمي بهزي مهاجري ، سكن الكوفة ، روى عنه جماعة من الكوفيين ( أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - آخى ) أي : عقد الأخوة وبيعة الصحبة والمحبة ( بين رجلين ) أي : من أصحابه ( فقتل أحدهما ) أي : استشهد ( في سبيل الله ) أي : في الجهاد ( ثم مات الآخر ) أي : على فراشه ( بعده ) : وفي نسخة : بعد بضم الدال مبنيا والمعنى بعد قتل أخيه ( بجمعة ) أي : بأسبوع ( أو نحوها ) أي : قريبا منها تخمينا أقل أو أكثر ، وإنما أتى به احتياطا ( فصلوا ) أي : المسلمون ( عليه ) أي : على الآخر ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما قلتم ؟ " ) أي : في حقه من الكلام ، وما للاستفهام ( قالوا : دعونا الله أن يغفر له ) أي : ذنوبه ( ويرحمه ) أي : يتفضل عليه ويثيبه ( ويلحقه ) : من الإلحاق ، أي : يوصله ( بصاحبه ) أي : في علو درجته لكي يكونا في منزلة واحدة من الجنة في العقبى ، كما كانا في مرتبة واحدة من المحبة في الدنيا ، ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأين " ) : جواب شرط مقدر أي : إذا كنتم تدعون الله بأن يلحقه بصاحبه ، زعما منكم أن مرتبته دون مرتبة أخيه ، فأين ( " صلاته " ) أي : الزائدة للميت ( " بعد صلاته " ) أي : الواقعة للشهيد ( " وعمله بعد عمله ؟ " ) : تعميم بعد تخصيص ، أو التقدير وسائر عمله أي : عمل الميت بعد انقطاع عمل الشهيد . ( أو قال ) : شك من الراوي ( " صيامه بعد صيامه " ) ولعله كان في رمضان أو المتخلف كان ممن يصوم النافلة كثيرا ( " لما بينهما " ) : قال ابن الملك : اللام فيه توطئة للقسم أو للابتداء . قلت : الثاني هو الصحيح ; لأن شرط الموطئة أن تكون مقرونة بإن الشرطية نحو قوله تعالى : لئن أشركت الآية . نعم يمكن أن تكون اللام في جواب القسم المقدر أي : والله لما بينهما ، والمعنى للتفاوت الذي بين الأخوين في القرب عند الله تعالى . ( " أبعد مما بين السماء والأرض " ) يعني مرتبة الميت أعلى فإلحاق الشهيد به أولى ، وذلك لأنه أيضا كان مرابطا في سبيل الله ، فله المشاركة في الشهادة حكما وطريقة ، وله الزيادة في الطاعة والعبادة شريعة وحقيقة ، وإلا فمن المعلوم أن لا عمل أزيد ثوابا على الشهادة جهادا في سبيل الله ، وإظهارا لدينه ، لا سيما في مبادئ الدعوة مع قلة أعوانه من أهل الملة .

وقال الطيبي - رحمه الله - : فإن قلت : كيف تفضل هذه الزيادة في العمل بلا شهادة على عمله معها ؟ قلت : قد عرف - صلى الله عليه وسلم - أن عمل هذا بلا شهادة ساوى عمله مع شهادته بسبب مزيد إخلاصه وخشوعه ، ثم زاد عليه بما عمل بعده ، وكم من شهيد لا يدرك شيئا ، والصديق في العمل انتهى ، فتأمل فإنه ليس في الحديث إشعار بقلة الإخلاص للشهيد ، فهذا الظن بالصحابة ليس بالسديد ، مع أنه لو كان هذا علة التفضيل لبينه - صلى الله تعالى عليه وسلم - في وجه التعليل ، ولا كلام في الصديق أنه ممن تفضل عليه سبحانه بزيادة التوفيق ، مع أنه - رضي الله عنه - شهيد حكما ، وقد قدم الله سبحانه مرتبة الصديقين على الشهداء في مواضع من كتابه ، والله أعلم . ( رواه أبو داود ، والنسائي ) . رجال هذا الحديث رجال الصحيح إلا عبد الله بن ربيعة السلمي عن عبيد بن خالد . قال النسائي : إنه صحابي ، وعلى تقدير أن لا يكون صحابيا فهو تابعي ، ولم يذكره أحد بضعف ، وأما عبيد بن خالد ، وهو أبو عبد الله السلمي البهزي فله صحبة ونزيل الكوفة ، روى عنه عبد الله بن ربيعة ، وتميم بن سلمة ، وسعيد بن عبيدة ، نقله ميرك عن التصحيح . وفي التقريب : عبد الله بن ربيعة بن فرقد السلمي ذكر في الصحابة ، ونفاها أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان ، انتهى . وسيأتي زيادة كلام في هذا المرام .

[ ص: 3308 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية