صفحة جزء
5300 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيها الناس ! ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا قد أمرتكم به ، وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه ، وإن الروح الأمين - وفي رواية : وإن الروح القدس - نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ، ألا فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته " . رواه في ( شرح السنة ) والبيهقي في ( شعب الإيمان ) إلا أنه لم يذكر ( وإن روح القدس ) .


5300 - ( وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " أيها الناس ! ليس من شيء " ) : من زائدة مبالغة أي : ليس شيء ما من الأشياء ( " يقربكم " ) : بتشديد الراء أي : يجعلكم قريبا ( " إلى الجنة ويباعدكم " ) أي : ومن شيء يباعدكم ( " من النار " ) أي : على وجه السببية ، فالنسبية في الفعلين مجازية ( " إلا قد أمرتكم به " ) أي : بما ذكر أو بكل منهما ( " وليس شيء " ) : ليس من هنا في الأصول ( " يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه " ) : وفيه دليل صريح على أن جميع العلوم من الأمور النافعة والأمور الدافعة يستفاد من الكتاب والسنة ، وأن الاشتغال بغيرها تضييع العمر من غير المنفعة ( " وإن الروح الأمين " ) : وفي نسخة : وإن روح الأمين أي : جبرائيل - عليه السلام - كما قال تعالى : نزل به الروح الأمين ( وفي رواية : " وإن روح القدس " ) : بضمتين وتسكن الدال كقوله تعالى : وأيدناه بروح القدس أي : الروح المقدسة من الأخلاق المدنسة . قال الطيبي - رحمه الله - : هو كما يقال : حاتم الجود ورجل صدق ، فهو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة في الاختصاص ، ففي الصفة القدس منسوب إليها ، وفي الإضافة بالعكس نحو مال زيد ( " نفث في روعي " ) : بضم الراء أي : أوحي إلي وألقى من النفث بالفم وهو شبيه بالنفخ ، وهو أقل من التفل ; لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق ، والروع الجلد والنفس ، كذا في النهاية ، والمعنى أنه أوحي إلي وحيا خفيفا ( " أن نفسا " ) : بفتح الهمزة ، ويجور الكسر لأن الإيحاء في معنى القول ، والمعنى أن نفسا ذات نفس وهي حي مخلوق ( " لن تموت حتى تستكمل رزقها " ) أي : المقدر لها كما أشار إليه سبحانه بقوله : الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ( " ألا " ) : للتنبيه أي : تنبهوا ( " فاتقوا الله " ) : فإنكم مأمورون بالتقوى وبالسعي إلى الدرجات العلى ( " وأجملوا " ) أي : من الإجمال أي : وأحسنوا ( " في الطلب " ) أي : في تحصيل الرزق ولا تبالغوا في طلبه ، فإنكم غير مكلفين بطلب الرزق . قال تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقال عز وجل : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى فالأمر للإباحة ، أو المعنى اطلبوا من الحلال فالأمر للوجوب ويؤيده قوله : ( " ولا يحملنكم " ) : بكسر الميم أي : لا يبعثكم ( " استبطاء الرزق " ) أي : تأخيره ومكثه عليكم ( " أن تطلبوه " ) أي : على أن تبتغوه ( بمعاصي الله ) أي : بسبب ارتكابها بطريق من طرق الحرام كسرقة وغصب وخيانة وإظهار سيادة وعبادة وديانة ، وأخذ من بيت المال على وجه زيادة ونحو ذلك . ( " فإنه " ) أي : الشأن ( " لا يدرك ما عند الله " ) أي : من الرزق الحلال أو من الجنة وحسن المآل ( " إلا بطاعته " ) أي : لا بتحصيل المال من طريق الوبال .

قال الطيبي - رحمه الله - : قوله : فأجملوا أي : اكتسبوا المال بوجه جميل ، وهو أن لا تطلبه إلا بالوجه الشرعي ، والاستبطاء بمعنى الإبطاء والسين فيه للمبالغة ، كما أن استعف بمعنى عف في قوله تعالى : ومن كان غنيا فليستعفف وفيه أن الرزق مقدر مقسوم لا بد من وصوله إلى العبد ، لكن العبد إذا سعى وطلب على وجه مشروع وصف بأنه حلال ، وإذا طلب بوجه غير مشروع فهو حرام ، فقوله : ما عند الله إشارة إلى أن الرزق كله من عند الله الحلال والحرام . وقوله : أن تطلبوه بمعاصي الله تعالى ، إشارة إلى أن ما عند الله إذا طلب بمعصية الله ذم وسمي حراما ، وقوله : إلا بطاعته ، إشارة إلى أن ما عند الله إذا طلب بطاعته مدح وسمي حلالا . وفي هذا دليل بين لأهل السنة على أن الحلال والحرام يسمى رزقا وكله من عند الله ، خلافا للمعتزلة . ( رواه ) أي : البغوي ( في " شرح السنة " والبيهقي في " شعب الإيمان " إلا أنه ) أي : البيهقي ( لم يذكر : " وإن روح القدس " ) : فرواية روح القدس من روايات البغوي أو غيره .

[ ص: 3322 ] قال ميرك : ورواه ابن أبي الدنيا في القناعة ، والحاكم وصححه عنه ، وعن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم " رواه ابن ماجه واللفظ له ، والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم .

قلت : وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة مرفوعا : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها ، فأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته " .

التالي السابق


الخدمات العلمية