صفحة جزء
5301 - وعن أبي ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق بما في يدي الله ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك " رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، وعمرو بن واقد الراوي منكر الحديث .


5301 - ( وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " الزهادة " ) : بفتح الزاي أي : ترك الرغبة في الدنيا ( " ليست بتحريم الحلال " ) : كما يفعله بعض الجهال زعما منهم أن هذا من الكمال ، فيمتنع من أكل اللحم أو الحلواء والفواكه ولبس الثوب الجديد ومن التزوج ونحو ذلك ، وقد قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وقد ثبت أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - فعل هذه الأفعال ولا أكمل من حاله الكمال . ( " ولا إضاعة المال " ) أي : بتضييعه وصرفه في غير محله بأن يرميه في بحر أو يعطيه للناس من غير تمييز بين غني وفقير ، وحاصله أنه لا عبرة بالزهادة الظاهرة ، وخلو اليد عن الأموال الطاهرة ، ثم توجه القلب إلى الخلق عند الاحتياج إلى المعيشة الحاضرة ، بل المدار على الزهد القلبي بالانجذاب الربي ، ولذا استدرك ما سبقه من المقال حيث قال : ( " ولكن الزهادة " ) : بتشديد النون ويخفف أي : ولكن الزهادة المعتبرة الكاملة ( " في الدنيا " ) أي : في شأنها ( أن لا تكون بما في يديك ) أي : من الأموال أو من الصنائع والأعمال ( أوثق ) أي : أرجى منك ( " بما في يدي الله " ) : بصيغة التثنية أي : بخزائنه الظاهرة والباطنة ، وفيه نوع من المشاكلة ، والمعنى ليكن اعتمادك بوعد الله لك من إيصال الرزق إليك ، ومن إنعامه عليك من حيث لا تحتسب ، ومن وجه لا تكتسب أقوى وأشد مما في يديك من الجاه والمال والعقار وأنواع الصنائع من الاستعمال ، ولو علم الكيميا وعلم السيميا ، فإن ما في يديك يمكن تلفه وفناؤه بخلاف ما في خزائنه ، فإنه محقق بقاؤه كما قال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق ( " وأن تكون " ) : عطف على " أن لا تكون " ، والزهادة فيها أيضا أن لا تلتفت إلى التنعم فيها ، والتلذذ بوجود نعمها ، بل وأن تغتنم حصول المحنة ووصول البلية فيها لئلا يميل قلبك إليها ، ولا تستأنس نفسك بما عليها ، فتكون حينئذ ( في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها ) : بصيغة المجهول ( " أرغب فيها " ) أي : في حصول المصيبة ( " لو أنها " ) أي : لو فرض أن تلك المصيبة ( " أبقيت لك " ) أي : منعت لأجلك وأخرت عنك ، فوضع أبقيت موضع لم تصب ، وجواب لو ما دل عليه ما قبلها ، وخلاصته أن تكون رغبتك في وجود المصيبة لأجل ثوابها أكثر من رغبتك في عدمها ، فهذان الأمران شاهدان عدلان على زهدك في الدنيا وميلك في العقبى . وقال الطيبي : لو أنها أبقيت لك حال من فاعل أرغب ، وجواب لو محذوف ، وإذا ظرف ، والمعنى أن تكون في حال المصيبة وقت إصابتها أرغب من نفسك في المصيبة حال كونك غير مصاب بها ; لأنك تثاب بوصولها إليك ، ويفوتك الثواب إذا لم تصل إليك ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، وعمرو بن واقد الراوي منكر الحديث ) قلت : وغايته أنه حديث ضعيف مبنى ، ولكنه حديث شريف معنى ، ومثله يعتبر في فضائل الأعمال في جميع الأقوال ، ومن جملتها الزهادة في الدنيا والرغبة في العقبى .

[ ص: 3323 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية