صفحة جزء
5303 - وعن سعد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له " . رواه أحمد ، والترمذي وقال : هذا حديث غريب .


5303 - ( وعن سعد ) أي : ابن أبي وقاص ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له " ) أي : ومن سعادة ابن آدم استخارة الله ثم رضاه بما حكم به وقدره وقضاه كما يدل عليه مقابلته بقوله : ( " ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله " ) أي : طلب الخيرة منه ، فإنه يختار له ما هو خير له ، ولذا قال بعض العارفين : اترك الاختيار وإن كنت لا بد أن تختار أن لا تختار : وربك يخلق ما يشاء ويختار وقد قال تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . ( " ومن شقاوة ابن آدم سخطه " ) أي : غضبه وعدم رضاه ( " بما قضى الله له " ) : فالرضا بالقضاء باب الله الأعظم ، وهو من بين منازل السائرين موسوم بالمقام الأفخم ، ثم تقديم الاستخارة ; لأنه سبب للرضا ، ولأنها توجد قبل تحقق القضاء . قال الطيبي - رحمه الله - : أي الرضا بقضاء الله وهو ترك السخط علامة سعادته ، وبها جعله علامة سعادة العبد لأمرين : أحدهما : ليتفرغ للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء يكون مهموما أبدا مشغول القلب بحدوث الحوادث ويقول : لم كان كذا ولم يكن كذا ، والثاني لئلا يتعرض لغضب الله تعالى بسخطه ، وسخط العبد أن يذكر غير ما قضى الله له ، قال : إنه أصلح وأولى فيما لا يستيقن فساده وصلاحه .

فإن قلت : ما موقع قوله " ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله " بين المتقابلين ؟ قلت : موقعه بين القرينتين لدفع توهم من يترك الاستخارة ، ويفوض أمره بالكلية ، انتهى .

وفيه أن الاستخارة والتفويض مآلهما واحد ، وكذا اكتفى بالاستخارة في القرينتين في رواية على ما يأتي ، ثم شك أن التسليم المطلق أولى من الاستخارة ; لأنها نوع طلب وإرادة وضيق منازعة في أمر قد تحقق ، هذا وحقيقة الاستخارة هي أن يطلب الخير من الله في جميع أمره ، بل وأن يعتقد أن الإنسان لا يعلم خيره من شره ، كما قال تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ثم يترقى بأن يرى أن لا يقع في الكون غير الخير ، ولذلك ورد : الخير بيديك والشر ليس إليك ، ثم المستحب دعاء الاستخارة بعد تحقق المشاورة في الأمر المهم من الأمور الدينية والدنيوية وأقله أن يقول : اللهم خر لي واختر لي ولا تكلني إلى اختياري ، والأكمل أن يصلي ركعتين من غير الفريضة ، ثم يدعو بالدعاء المشهور في السنة على ما قدمناه في كتاب الصلاة . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : هذا حديث غريب ) . تمامه ، ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن حميد ، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث . ورواه الحاكم في صحيحه وزاد فيه : من سعادة ابن آدم استخارته الله ومن شقاوته تركه استخارة الله . رواه الحاكم والترمذي .

قال ميرك : " كلاهما من حديث سعد بن أبي وقاص ، وقال الترمذي : غريب ولفظه : من سعادة ابن آدم كثرة استخارته الله تعالى ورضاه بما قضى الله تعالى له ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله تعالى له . وفي الجامع : أسند الحديث إلى الترمذي والحاكم عن سعد ، لكن لفظه : من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله . فهذا وما قبله مما يدل على أن لفظ المشكاة وقع فيه اختصار مخل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وروى الطبراني في الأوسط ، عن أنس مرفوعا : " ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار ، ولا عال من اقتصد " . وقال بعض الحكماء : من أعطي أربعا لم يمنع أربعا : من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول ، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخير ، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب .

[ ص: 3327 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية