صفحة جزء
5325 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لكل شيء شرة ، ولكل شرة فترة ، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه ، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه " . رواه الترمذي .


5325 - ( وعن أبي هريرة ، قال : قال النبي ) وفي نسخة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن لكل شيء شرة " بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء : الحرص على الشيء والنشاط فيه والرغبة ، ( " ولكل شرة فترة " ) ، بفتح الفاء وسكون التاء أي : وهنا وضعفا ، وفي نسخة برفعها ، والمعنى : أن العابد يبالغ في العبادة في أول أمره ، وكل مبالغ يفتر ويسكن حدته ومبالغته في أمره ولو بعد حين ( " فإن صاحبها " ) فاعل لجعل دل عليه قوله : ( " سدد " ) أي : قصد السداد والاستقامة ، أو اقتصد في أمر على مداومته ، لكن لا تقطعه الطاعة والعبادة ، ( وقارب ) أي : دنا من التوسيط واحترز من الإفراط والتفريط ( " فارجوه " ) ، أي : أن يكون من الفائزين ، فإن من سلك الطريق المتوسط يقدر على مداومته ، لكن لا تقطعوا له فإن الله هو الذي يتولى السرائر ( " وإن أشير إليه بالأصابع " ) أي : وإن اجتهدوا وبالغ في العمل ليصير مشهورا بالزهد والعبادة ، وصار مشهورا ومشارا إليه فيها ( فلا تعدوه ) أي : شيئا ولا تعتقدوه صالحا ; لكونه من المرائين ; حيث جعل أوقات فترته عبادة ، وهو لا يتصور إلا فيما يتعلق به رياء وسمعة ، وأيضا إذا أقبل الناس عليه بوجوههم ربما زاد في العبادة وحصل له عجب وغرور ، فصار من الهالكين ، إلا أن يتداركه الله بفضله ، وجعله من المخلصين ، وتوضيحه : أن الإنسان يشتغل بالأشياء على حرص شديد ومبالغة [ ص: 3337 ] عظيمة في أول الأمر ، ثم إن تلك الشرة يتبعها فترة ، فإن كان مقتصدا محترزا عن جانبي الإفراط والتفريط وسالكا الطريق المستقيم ، فأرجو كونه من الفائزين الكاملين ، وإن سلك طريق الإفراط حتى يشار إليه بالأصابع ، فلا تلتفتوا إليه ولا تعولوا عليه ، فإنه ربما يكون من الهالكين ، لكن لا تجزموا بأنه من الخاسرين ، ولا تعدوه منهم ، لكن لا ترجوه كما رجوتم المقتصد إذ قد يعصم الله في صورة الإفراط والشهرة ، كما أنه قد يعفو عن صاحب التفريط وراعى التقصير في العبادة . قال الطيبي - رحمه الله - : ويؤيد هذا التأويل الحديث الذي يليه والاستثناء فيه فترك ما للقسم الثالث لظهوره . ( رواه الترمذي ) ، ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا ، ولفظه : " إن لكل شيء شرة ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك " .

التالي السابق


الخدمات العلمية