صفحة جزء
5347 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء وحق لها أن تئط ، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، وبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله " ، قال أبو ذر : يا ليتني كنت شجرة تعضد . رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه .


5347 - ( وعن أبي ذر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني أرى ما لا ترون " ) أي : أبصر ما لا تبصرون ، بقرينة قوله : ( " وأسمع ما لا تسمعون " ) ، ثم بين سماعه لقربه ، ولكونه نتيجة لكثرة ما رآه بقوله : ( " أطت السماء " ) بتشديد الطاء من الأطيط : وهو صوت الأقتاب ، وأطيط الإبل أصواتها وحنينها على ما في النهاية ، أي : صوتت ( " حق " ) بصيغة المجهول ، أي : ويستحق وينبغي ( " لها أن تئط " ) أي : تصوت ، ثم بين سببه وهو ما رآه من الكثرة بقوله : ( " والذي نفسي بيده ما فيها " ) أي : ليس في السماء جنسها ( " موضع أربعة أصابع " ) بالرفع على أنه فاعل للظرف المعتمد على حرف النفي والمذكور بعد إلا في قوله : ( " إلا وملك " ) حال منه ، أي : وفيه ملك ( " واضع جبهته لله ساجدا " ) أي : منقادا ليشمل ما قيل : إن بعضهم قيام ، وبعضهم ركوع ، وبعضهم سجود ، كما قال تعالى حكاية عنهم : وما منا إلا له مقام معلوم أو خصه باعتبار الغالب منهم ، أو هذا مختص بإحدى السماوات ، والله تعالى أعلم ، ثم اعلم أن " أربعة " بغير هاء في جامع الترمذي وابن ماجه ، ومع الهاء في شرح السنة ، وبعض نسخ المصابيح ، وسببه أن الأصبع يذكر ويؤنث .

[ ص: 3351 ] قال الطيبي - رحمه الله - : أي : أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت ، وهذا مثل إيذان بكثرة الملائكة ، وإن لم يكن ثمة أطيط ، وإنما هو كلام تقريب ، أريد به تقرير عظمة الله تعالى ، قلت : ما المحوج عن عدول كلامه - صلى الله تعالى عليه وسلم - من الحقيقة إلى المجاز مع إمكانه عقلا ونقلا حيث صرح بقوله : وأسمع ما لا تسمعون ، مع أنه يحتمل أن يكون أطيط السماء صوتها بالتسبيح ، والتحميد ، والتقديس ، والتمجيد ; لقوله سبحانه وإن من شيء إلا يسبح بحمده لا سيما وهي معبد المسبحين والعابدين ، ومنزل الراكعين والساجدين ، ( " والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات " ) بضم الفاء والراء : جمع فرش ، فهو جمع الجمع للمبالغة ( " ولخرجتم " ) أي : من منازلكم العاليات ( " إلى الصعدات " ) بضمتين ، أي : إلى الصحاري ، واختيار الجمع للمبالغة ، والصعد : جمع صعيد كطرق جمع طريق وطرقات ، والصعيد هو الطريق ، وفي الأصل التراب ، أي : لخرجتم إلى الطرقات البراري والصحاري وممر الناس ، كما يفعل المحزون لبث الشكوى والهم المكنون ، والأظهر أن الصعيد هو وجه الأرض ، وقيل التراب ، ولا معنى له هاهنا ، قال التوربشتي : المعنى : لخرجتم من منازلكم إلى الجبانة ، متضرعين إلى الله تعالى ، ومن حال المحزون أن يضيق به المنزل فيطلب الفضاء الخالي لشكوى بثه ، ( " تجأرون إلى الله " ) أي : تتضرعون إليه بالدعاء ليرفع عنكم البلاء .

( قال أبو ذر : يا ليتني كنت شجرة تعضد ) بصيغة المجهول ، أي : تقطع وتستأصل ، وهذا نشأ من كمال خوفه من عذاب ربه ( رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ) ، قال التوربشتي - رحمه الله - : يا ليتني هو من قول أبي ذر ، ولكن ليس في كتاب أحمد ممن نقل هو عن كتابه ، ( قال أبو ذر ) بل أدرج في الحديث ، ومنهم من قال : قيل هو من قول أبي ذر ، وقد علموا أنه بكلام أبي ذر أشبه ، والنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أعلم بالله من أن يتمنى عليه حالا هو أوضع مما هو فيه ، ثم إنها مما لا تكون ، قال الطيبي - رحمه الله تعالى - في جامع الترمذي وجامع الأصول : هكذا تجأرون إلى الله لوددت أني شجرة تعضد ، وفي رواية : أن أبا ذر قال : لوددت أني شجرة تعضد ، ويروى عن أبي ذر موقوفا ، وفي سنن ابن ماجه كما في المتن ونسخ المصابيح : قال أبو ذر : يا ليتني إلى آخره ، وللبحث فيه مجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية