صفحة جزء
5361 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لتتبعن سنن من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم " ، قيل يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن ؟ " . متفق عليه .


5361 - ( وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لتتبعن " ) بتشديد التاء الثانية وضم العين ، أي : لتوافقن بالتبعية ( " سنن من قبلكم " ) بضم السين جمع سنة ، وهي لغة الطريقة ، حسنة كانت أو سيئة ، والمراد هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم ، من تغير دينهم وتحريف كتابهم ، كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، وفي بعض النسخ بفتح السين ، ففي المقدمة أي : طريقهم ( " شبرا بشبر " ) : حال [ ص: 3361 ] مثل يدا بيد ، وكذا قوله : ( " ذراعا بذراع " ) أي : ستفعلون مثل فعلهم سواء بسواء ، ( " حتى لو دخلوا " ) أي : من قبلكم من بني إسرائيل ( " جحر ضب " ) وهو من أضيق أنواع الجحر وأخبثها ( " تبعتموهم " ) ولعل الحكمة في ذلك أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما بعث لإتمام مكارم الأخلاق في آخر الأمم فيقتضي أن يكون أهل الكمال منهم موصوفين بجميع الخصال الحميدة في الأديان المتقدمة ، ومن لوازم ذلك أن يكون أهل النقصان منهم في كمال المرتبة القصوى منعوتين بجميع الخلال الذميمة الكائنة في الأمم السابقة ، ونظيره أن بعض المشايخ ذكر أنه ارتاض بجميع ما سمع رياضات أرباب الولايات ، فأعطي له جميع أصناف الكرامات وخوارق العادات ، ويناسبه ما ذكره بعض المحققين من أن التوقف لا يوجد في حق الإنسان ، فإن لم يكن في الزيادة فهو في النقصان ، وأيضا نوع بني آدم معجون مركب من الطبع الملكي الروحاني العلواني ، ومن الطبع الحيواني النفساني السفلاني ، فإن كان يميل إلى العلو فيصير إلى الرتبة الأولى من الملأ الأعلى ، وإن كان يميل إلى أسفل فيسير في طريقته من مراتب البهائم أدنى ، كما أشار إليه سبحانه بقوله : أولئك كالأنعام بل هم أضل وهنا ينفتح باب القضاء ، ولا خلاص إلى القضاء إلا بقوله : لا يسأل عما يفعل ، فتأمل ، ( قيل يا رسول الله ! اليهود والنصارى ) بالنصب أي : أتعني بمن نتبعهم ، أو بمن قبلنا سنة اليهود والنصارى ؟ ( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، ( " فمن " ) ؟ أي إن لم أردهم فمن ( " سواهم " ) ؟ والمعنى : أنهم الغالبون المشهورون من أهل الكتاب وغيرهم مندرسون ، فإذا أطلق من قبلكم ، فهم المراد ، وكان غيرهم غير موجودين في الاعتبار عند الإطلاق ، وقال شارح : ( فمن ) استفهام أي : فمن يكون غيرهم يعني المتبوعين لكم هم لا غيرهم ، وقال ابن الملك : روي ( اليهود ) بالجر أي : هل نتبع سنن اليهود ، وبالرفع على أنه خبر المبتدأ على تقدير حرف الاستفهام يعني : قبلنا هم اليهود ، انتهى . وقيل : التقدير أي : المتبوعون هم اليهود والنصارى أم غيرهم ( متفق عليه ) . ورواه الحاكم عن ابن عباس ولفظه : " لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم ، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية