صفحة جزء
5373 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشا ، فاجتمعوا ، فعم وخص ، فقال : " يا بني كعب بن لؤي ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد شمس ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة ! أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها " . رواه مسلم .

وفى المتفق عليه قال : " يا معشر قريش ! اشتروا أنفسكم ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، ويا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب ! لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله ! لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا فاطمة بنت محمد ! سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئا " . الفصل الثاني


5373 - ( وعن أبي هريرة قال : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين دعا النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قريشا ) أي قبائله ( فاجتمعوا ، فعم ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في النداء بما ذكره ( وخص ) ، ثم بين الراوي كيفية العموم والخصوص بقوله : ( فقال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( يا بني كعب بن لؤي ! ) بضم لام وفتح همزة ، وقد يبدل واوا فتحتية مشددة ، وهو ابن غالب بن فهر ( أنقذوا ) بفتح همزة وكسر قاف أي : خلصوا ( " أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب " ) بضم ميم وتشديد راء أي : أبو قبيلة من قريش على ما في القاموس ( " أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد شمس ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة ! أنقذي نفسك من النار " ) ختم بها ; لأنها خلاصة قومها ، ثم عم في تبريء إنقاذه إياهم من النار بغير الإيمان والعمل الصالح بقوله : ( فإني لا أملك لكم ) أي : لجميعكم عامكم وخاصكم ( " من الله " ) أي : من عذابه ( " شيئا " ) أي : من الملك والقدرة والدفع والمنفعة ، والمعنى أني لا أقدر أن أدفع عنكم من عذاب الله شيئا إن أراد الله أن يعذبكم ، وهو مقتبس من قوله سبحانه : قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل قال الله تعالى : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله وهذا التوحيد على وفق التفريد ، وهو - صلى الله تعالى عليه وسلم - وإن كان قد ينفع المؤمنين بالشفاعة حيث يشفع ويشفع ، لكن أطلقه ترهيبا لهم على الاتكال عليه وترغيبا لهم على الاجتهاد في أمر زاد المعاد ، والله رؤوف بالعباد ، وهذا معنى قوله : ( " غير أن لكم رحما " ) أي : قرابة ( " سأبلها " ) بضم موحدة وتشديد لام ، أي : سأصلها ( " ببلالها " ) بكسر الموحدة ويفتح ، أي : بصلتها وبالإحسان إليها ، [ ص: 3372 ] ومجمله أن سأصل تلك القرابة بالشيء الذي يتوصل به إلى الأقارب من الإحسان ، ودفع الظلم والضر عنهم وغير ذلك ، ففي النهاية : البلال جمع بلل ، والعرب يطلقون النداوة على الصلة ، كما يطلق اليبس على القطعة ; لأنهم لما رأوا أن بعض الأشياء يتصل بالنداوة ، ويحصل بينها التجافي والتفرق باليبس استعاروا البلل لمعنى الوصل ، واليبس لمعنى القطعة ، والمعنى : أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا ( رواه مسلم ) .

( وفى المتفق عليه ) : هذا موجود في بعض النسخ المصححة ( يا معشر قريش ، اشتروا أنفسكم ) ، أي اعتقوها وخلصوها من النار بالإيمان وترك الكفران وبالطاعة لما جئت به والانقياد لما منعت منه ( لا أغني عنكم من الله شيئا ) أي : لا أبعد منكم ولا أدفع عنكم شيئا من عذاب الله ( يا بني عبد مناف : لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب " ) بالنصب فيهما ، وفى نسخة برفع عباس ( " لا أغني عنك من الله شيئا ويا صفية " ) بالواو العاطفة بخلاف ما قبله من ألفاظ النداء ، فإنها كانت على سبيل التعداد ، وصفية مرفوعة ، وقوله : ( " عمة رسول الله " ) منصوبة ( " لا أغني عنك من الله شيئا " ) وكذا قوله : ( ويا فاطمة بنت محمد ! سليني ما شئت من مالي ) كذا في نسخ من موصولة ، قال التوربشتي - رحمه الله تعالى : أرى أنه ليس من المال المعروف في شيء ، وإنما عبر به عما يملكه من الأمر وينفذ تصرفه فيه ، ولم يثبت عندنا أنه كان ذا مال لا سيما بمكة ، ويحتمل أن الكلمتين أعني ( من وما ) وقع الفصل فيهما من بعض من لم يحققه من الرواة فكتبهما منفصلتين ، انتهى . وفيه أنه يرده قوله تعالى : ووجدك عائلا فأغنى أي بمال خديجة - رضي الله عنها - على ما قاله المفسرون ، وأيضا لم يلزم من عدم وجود المال الحاضر للجواد أن لا يدخل في يده شيء من المال في الاستقبال ، فيحمل الوعد المذكور على تلك الحال ، ومهما أمكن الجمع لتصحيح الدراية تعين عدم التخطئة في الرواية ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، ( " لا أغني عنك من الله شيئا " ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية