صفحة جزء
الفصل الثاني

5374 - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أمتي هذه أمة مرحومة ، ليس عليها عذاب في الآخرة ، عذابها في الدنيا : الفتن والزلازل والقتل " . رواه أبو داود .


الفصل الثاني

5374 - ( عن أبي موسى ) أي : الأشعري رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " أمتي هذه " ) أي : أمة الإجابة الموجودة ذهنا المعهودة معنى ، كأنها المذكورة حسا ( أمة مرحومة ) أي : رحمة زائدة على سائر الأمم ; لكون نبيهم رحمة للعالمين ، بل مسمى بنبي الرحمة وهم خير أمة ( ليس عليها عذاب ) أي : شديد ( في الآخرة ) بل غالب عذابهم أنهم مجزيون بأعمالهم في الدنيا بالمحن ، والأمراض ، وأنواع البلايا ، كما حقق في قوله تعالى : من يعمل سوءا يجز به على ما تقدم ، والله تعالى أعلم ، ويؤيد قوله : ( عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل ) أي : بغير حق ، وقيل : الحديث خاص بجماعة لم تأت كبيرة ، ويمكن أن تكون الإشارة إلى جماعة خاصة من الأمة ، وهم المشاهدون من الصحابة ، أو المشيئة مقدرة لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال المظهر : هذا حديث مشكل ; لأن مفهومه أن لا يعذب أحد من أمته - صلى الله تعالى عليه وسلم - سواء فيه من ارتكب الكبائر وغيره ، فقد وردت الأحاديث بتعذيب مرتكب الكبيرة ، اللهم إلا أن يؤول المراد بالأمة هنا من اقتدى به - صلى الله تعالى عليه وسلم - كما ينبغي ، ويمتثل بما أمر الله وينتهي عما نهاه .

[ ص: 3373 ] وقال الطيبي - رحمه الله : الحديث وارد في مدح أمته - صلى الله تعالى عليه وسلم - واختصاصهم من بين سائر الأمم بعناية الله تعالى ورحمته عليهم ، وأنهم إن أصيبوا بمصيبة في الدنيا ، حتى الشوكة يشاكها ، فإن الله يكفر بها في الآخرة ذنبا من ذنوبهم ، وليست هذه الخاصية لسائر الأمم ، ويؤيده ذكر هذه وتعقيبها بقوله ( مرحومة ) فإنه يدل على مزية تمييزهم بعناية الله تعالى ورحمته ، والذهاب إلى المفهوم في مثل هذا المقام ، وهذه الرحمة هي المشار إليها بقوله : ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ، إلى قوله : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ، انتهى . ولا يخفى عليك أن هذا كله مما لا يدفع الإشكال ، فإنه لا شك عند أرباب الحال أن رحمة هذه الأمة إنما هي على وجه الكمال ، وإنما الكلام في أن هذا الحديث بظاهره يدل على أن أحدا منهم لا يعذب في الآخرة ، وقد تواترت الأحاديث في أن جماعة هذه الأمة من أهل الكبائر يعذبون في النار ، ثم يخرجون إما بالشفاعة ، وإما بعفو الملك الغفار ، وهذا منطوق الحديث ومعناه المأخوذ من ألفاظه ومبناه ، وليس بمفهومه المتعارف المختلف في اعتباره حتى يصح قوله : أن هذا المفهوم مهجور ، بل المراد بمفهومه في كلام المظهر المعلوم في العبارة ، ثم قول الطيبي - رحمه الله : وليست هذه الخاصية وهي كفارة الذنوب بالبلية لسائر الأمم تحتاج إلى دليل مثبت ، ولا عبرة بما فهم من المفهوم من قوله عذابها في الدنيا الفتن ، إلى آخره ، فإنه قابل للتقييد بكون وقوع عذابها بها غالبا . ( رواه أبو داود ) ، وكذا الحاكم في مستدركه .

وصححه وأقره الذهبي ذكره ميرك ، وفي الجامع بلفظ : " أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب ، إنما عذابها في الدنيا الفتن ، والزلازل ، والقتل ، والبلايا " . رواه أبو داود ، والطبراني ، والحاكم ، والبيهقي عن أبي موسى ، ورواه الحاكم في الكنى عن أنس : أمتي أمة مرحومة مغفور لها متاب عليها ، أي يتوب الله عليها ولا يتركها مصرة على الذنوب ، ففيه دليل على أن المراد به خواص هذه الأمة ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية