صفحة جزء
5418 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " هلك كسرى فلا يكون كسرى بعده ، وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ، ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله " ، وسمى " الحرب خدعة " . متفق عليه .


5418 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " هلك كسرى " ) : جملة خبرية أي : سيهلك ملكه ، وإنما عبر عنه بالمضي لتحقق وقوعه وقربه ، أو دعاء وتفاؤل ، ( " فلا يكون كسرى " ) وفي نسخة بالتنوين ، حيث أريد به التنكير ( " بعده " ) أي : بعد كسرى الموجود في زمنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - والمعنى : لا يملك كسرى كافر ، بل يملكه المسلمون بعده إلى يوم القيامة ، ( " وقيصر " ) : وهو ملك الروم مبتدأ ، وخبره : ليهلكن ، والتغاير بينهما للتفنن ، أو عطف على كسرى ، وأتى بقوله : ( " ليهلكن " ) للتأكيد مع زيادة المبالغة المستفادة من لام القسم ونون التأكيد ، ( " ثم لا يكون قيصر " ) بالوجهين أي : قيصر آخر ( " بعده " ) أي : بعد الأول . قال الطيبي - رحمه الله : هلاك كسرى وقيصر كانا متوقعين ، فأخبر عن هلاك كسرى بالماضي دلالة على أنه كالواقع بناء على إخبار الصادق ، وأتى في الإخبار عن قيصر بلام القسم في المضارع ، وبني الكلام على المبتدأ والخبر إشعارا لاهتمامه بالاعتناء بشأنه ، وأنه أطلب منه ; وذلك أن الروم كانوا سكان الشام ، وكان - صلى الله تعالى عليه وسلم - في فتحه أشد رغبة ; ومن ثم غزا - صلى الله تعالى عليه وسلم - تبوك وهو من الشام . أقول : لما كان هلاك كسرى قبل قيصر بحسب وقائع الحال ، فناسب أن يعبر عن الأول بالماضي ، وعن الثاني بالاستقبال ، ( ولتقسمن ) : بصيغة المجهول مخففا ( كنوزهما ) أي : كنز كل منهما ( " في سبيل الله " وسمى ) : عطف على قال رسول الله ، أي : قال الراوي : وسمى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( " الحرب خدعة " ) بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال وبضم الخاء ، مع فتح الدال على ما سبق مبناه وتحقق معناه ، ومجمله ما في القاموس : الحرب خدعة مثلثة وكهمزة ، وروي بهن جميعا ، أي : ينقضي بخدعة ، هذا والراوي جمع بين حديثين ، والظاهر أنهما وقعا في وقتين ، فلا يحتاج إلى طلب المناسبة بين إيرادهما معا ، على أن في ذكره إشارة إلى أن هلاكهما ، وأخذ كنوزهما إنما يكون بالحرب ، وربما يكون محتاجا إلى خدعة ، فنبه أصحابه إلى جوازهما ، حتى لا يتوهموا أن الخدعة من باب الغدر والخيانة ، والله تعالى أعلم .

قال الطيبي - رحمه الله : فإن قلت : ما وجه المناسبة بين قوله : وسمى الحرب خدعة ، وبين الكلام السابق ؟ قلت : هو وارد على سبيل الاستطراد ; لأن أصل الكلام كان في ذكر الفتح ، وكان حديثا مشتملا على الحرب ، فأورده في الذكر ، كما أورد قوله تعالى : ومن كل تأكلون لحما طريا بعد قوله : وما يستوي البحران هذا عذب فرات إذ المراد منهما المؤمن والكافر . قلت : فقوله : من كل تأكلون إشارة إلى تكميل التشبيه وتتميم وتذييل ، وهو إفادة أنه ينتفع بهما ، ونظام العالم بوجودهما ، بل هما الدالان على مظهر الجمال والجلال ، وهما صفتا الكمال ، وعليهما مدار الكونين ، ومآل الفريقين ، كما دل عليهما مثال البحرين ; حيث قال : هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج ، فكل في بابه في غاية من الكمال يضل من يشاء ويهدي من يشاء و يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية