صفحة جزء
5422 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة ، ثم قال : عدو يجمعون لأهل الشام ويجمع لهم أهل الإسلام ، يعني الروم ، فيشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون ، حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون ، حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب وتفنى الشرطة فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم أهل الإسلام ، فيجعل الله الدبرة عليهم ، فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها ، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فلا يخلفهم حتى يخر ميتا ، فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد ، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقسم ؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك ، فجاءهم الصريخ : أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم ، فيرفضون ما في أيديهم ، ويقبلون فيبعثون عشر فوارس طليعة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم ، وألوان خيولهم ، هم خير فوارس ، أو من خير فوارس ، على ظهر الأرض يومئذ " . رواه مسلم .


5422 - ( وعن عبد الله بن مسعود قال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ) أي : من كثرة المقتولين ، وقيل من كثرة المال ، والأول أصح ، كذا في الأزهار ، وقيل : حتى يوجد وقت لا يقسم فيه ميراث ; لعدم من يعلم الفرائض ، وأقول : لعل المعنى أنه يرفع الشرع ، فلا يقسم ميراث أصلا ، أو لا يقسم على وفق الشرع كما هو مشاهد في زماننا ، ويحتمل أن يكون معناه أنه من قلة المال وكثرة الفقراء لا يقسم ميراث بين الورثة ; إما لعدم وجود شيء ، أو لكثرة الديون المستغرقة ، أو لأن أصحاب الأموال تكون ظلمة ، فيرجع مالهم إلى بيت المال ، فلا يبقى لأولادهم نصيب في المال ، ولا لهم خلاق في المال ، والله تعالى أعلم بالحال ، ويريده قوله : ( ولا يفرح ) بصيغة المجهول أي : ولا يفرح أحد ( بغنيمة ) : إما لعدم العطاء أو ظلم الظلمة ، وإما للغش والخيانة ، فلا يتهنأ بها أهل الديانة ، ومن القواعد المقررة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فلا يضره ما ذكره الراوي .

( ثم قال ) أي : ابن مسعود ( عدو ) أي : من الروم أو عدو كثير ، وهو مبتدأ خبره ( يجمعون ) أي : الجيش والسلاح ( لأهل الشام ) أي : لمقاتلة أهل الشام ( ويجمع لهم ) أي : لقتال أهل الشام ( أهل الإسلام ، يعني ) أي : قال الراوي : يريد ابن مسعود بالعدو ( الروم ، فيتشرط المسلمون ) : من باب التفعل استعمل تشرط مكان اشترط ، يقال : اشترط فلان بنفسه لأمر كذا ، أي : قدمها وأعلمها وأعدها ، وأشرط نفسه للشيء أعلمه ، ويروى : فيشترط المسلمون ، أي : يهيئون ويعدون ( شرطة ) : بضم الشين وسكون الراء ، طائفة من الجيش تتقدم للقتال ، وتشهد الواقعة ; سموا بذلك لأنهم كالعلامة للجيش ، وقوله : ( للموت ) أي : للحرب ، وفيه نوع تجري ، ففي القاموس : الشرطة واحد الشرط كصرد ، وهم كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت ، وطائفة من أعوان الولاة اهـ . والمراد هنا المعنى الأول ، وقيل : سموا بها لأنهم يشترطون أن يتقدموا ويعدوا أنفسهم للهلكة ، ويؤيده قوله : ( لا ترجع ) أي : تلك الشرطة ( إلا غالبة ) : فالجملة صفة ( شرطة ) كاشفة مبينة موضحة ، والمعنى أن المسلمين يبعثون مقدمتهم على أن لا ينهزموا ، بل يتوقفوا ويتثبتوا إلى أن يقتلوا أو يغلبوا ، ( فيقتتلون ) أي : المسلمون والكفار ( حتى يحجز ) : بضم جيم وتكسر أي : يمنع ( بينهم الليل ) أي : دخوله وظلامه فيتركون القتال ( فيفيء ) : مضارع من الفيء بمعنى الزوال أي : يرجع ( هؤلاء ) أي : المسلمون ( وهؤلاء ) أي : الكافرون ( كل ) أي : من الفريقين ( غير غالب ) أي : وغير مغلوب ( وتفنى ) أي : تهلك وتقتل ( الشرطة ) أي : جنسها من الجانبين ، والحاصل أنه يرجع معظم الجيش ، وصاحب الرايات من الطرفين ، ولم يكن لأحدها غلبة على الآخر ، وتفنى شرطة الطرفين ، وإلا لكانت الغلبة لمن تفنى شرطهم ، وقد قال : كل غير غالب ، هذا وفي بعض النسخ المصححة ( شرطة ) بفتح الشين ، فقال السيد جمال الدين : اعلم أن لفظ الشرطة يحتمل وجهين : إن كان الشين فيها مفتوحة ، فمعناه يشترطون معهم شرطة واحدة ، ومعنى فيئهما زوالها بسبب دخول الليل ، وإن كانت مضمومة ، فالمراد منها طائفة هي خيار الجيش ففيه إشكال ; من حيث أن الشرطة إذا فاءت غير غالبة لم تفن ، إذ لو فنيت غير غالبة ، فكيف قال : فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ، ويمكن أن يقال : كان مع الشرطة جمعا آخر من الجيش ، وهم الراجعون غير غالبين لا الشرطة ، أو كان سائر المسلمين في كل يوم مع الشرطة ذلك اليوم فالراجع سائرهم دونها اهـ .

والمعتمد ما قدمناه ، ثم يؤيد ما قدمناه ما ذكره الطيبي - رحمه الله - حيث قال في الفائق : يقال : شرط نفسه لكذا إذا أعلمها له وأعدها ، فحذف المفعول ، والشرط نخبة الجيش وصاحب رايتهم لا النفر الذين تقدموا وهم الشرطة ، وقوله : فيتشرط فإنه في الحديث كذلك استعمل تشرط مكان اشترط فلان بنفسه لأمر كذا أي : قدمها [ ص: 3415 ] وأعدها وأعلمها ، ولو وجدت الرواية بفتح الشين من الشرط لكان معناها أوضح وأقوم مع قوله : وتفنى الشرطة ، أي : يشترطون فيما بينهم شرطا أن لا يرجعوا إلا غالبة يعني يومهم ذلك ، فإذا حجز بينهم الليل ارتفع الشرط الذي شرطوه ، وإنما أدخل فيه التاء لتدل على التوحيد ، أي : يشترطون شرطة واحدة لا مثنوية فيها ، ولا نعرف ذلك من طريق الرواية ، فقال الطيبي - رحمه الله : إذا وجدت الرواية الصريحة الصحيحة وجب الذهاب إليها ، والانحراف عن التحريف من ضم الشين إلى فتحها ، والتزام التكلف في تأويل التاء ، والعدول عن الحقيقة في نفي الشرطة إلى ذلك المجاز البعيد ، وأي مانع من أن يفرض أن الفئة العظيمة من المسلمين أفرزوا من بينهم طائفة تتقدم الجيش للمقاتلة ، واشترطوا عليها أن لا ترجع إلا غالبة ; فلذلك بذلوا جهدهم ، وصدقوا فيما عاهدوا وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم ، وهو المراد من قوله : وتفنى الشرطة . قال الجوهري : قد شرط عليه كذا ، واشترط عليه وشرط ، وقوله : فيفيء هؤلاء ، المراد منه الفئتان العظيمتان لا الشرطة .

( ثم يتشرط المسلمون شرطة ) أي : أخرى ( للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون ، حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ثم يتشرط المسلمون شرطة ) أي : ثالثة ( للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يمسوا ) أي : يدخلوا في المساء بأن يدخل الليل ، ففي العبارة تفنن ، ( فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب وتفنى الشرطة فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم ) أي : نهض وقام وقصد إلى قتالهم ( بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة ) : بفتح المهملة والموحدة اسم من الإدبار ، وروي الدابر وهو بمعنى الأول ، أي : الهزيمة ( عليهم ) أي : على الكفار ، وقال شارح : أي : على الروم ، ( فيقتتلون ) : من باب الافتعال ، هذا هو الصحيح الموجود في أكثر النسخ المعتمدة ، وفي نسخة : فيقتلون بصيغة المجهول من الثلاثي ، وهذا مبني لما توهم من أنه متعلق بقوله : فيجعل الله ، والحال أن الأمر خلاف ذلك ، بل هو متعلق بمجموع ما تقدم ، والله تعالى أعلم ، وقوله : ( مقتلة ) مفعول مطلق من غير بابه أو بحذف زوائده ، ونظيره قوله تعالى : والله أنبتكم من الأرض نباتا ، والمعنى مقاتلة عظيمة ، ( لم ير ) أي : لم يبصر أو لم يعرف ( مثلها ، حتى إن الطائر ) بكسر الهمزة وتفتح ( ليمر ) أي : ليريد المرور ( بجنباتهم ) : بجيم فنون مفتوحتين فموحدة ، أي : بنواحيهم ( فلا ) ، وفي نسخة صحيحة فما ( يخلفهم ) : بكسر اللام المشددة من خلفت فلانا ورائي إذا جعلته متأخرا عنك ، والمعنى : فلا يجاوزهم ( حتى يخر ) : بكسر معجمة وتشديد راء أي : حتى يسقط الطائر ( ميتا ) : بتشديد التحتية ويخفف . قال المظهر : يعني يطير الطائر على أولئك الموتى ، فما وصل إلى آخرهم حتى يخر ويسقط ميتا من نتنهم ، أو من طول مسافة مسقط الموتى . وقال الطيبي - رحمه الله تعالى : والمعنى الثاني ينظر إلى قول البحتري في وصف بركة :


لا يبلغ السمك المحصور غايتها لبعد ما بين قاصيها ودانيها

( فيتعاد ) : بصيغة المعلوم ، وقيل بالمجهول من باب التفاعل ، والمعنى : يعد ( بنو الأب ) أي : جماعة حضروا تلك الحرب كلهم أقارب ( كانوا مائة فلا يجدونه ) : الضمير المنصوب لمائة بتأويل المعدود أو العدد ، أي : فلا يجدون عددهم ، أو لبني الأب ; لأنه ليس بجمع حقيقة لفظا ، بل معنى ، كذا قيل ، والحاصل أن بني الأب بمعنى القوم ، والقوم مفردا للفظ جمع المعنى ، فروعي كل منهما حيث قال : فلا يجدونه ( بقي منهم إلا الرجل الواحد ) : [ ص: 3416 ] وخلاصة المعنى : أنهم يشرعون في عد أنفسهم ، فيشرع كل جماعة في عد أقاربهم ، فلا يجدون من مائة إلا واحدا ، وزيدته أنه لم يبق من مائة إلا واحدا ، ( فبأي غنيمة يفرح ) : الفاء تفريعية أو فصيحة . قال الطيبي - رحمه الله : هو جزاء شرط محذوف أبهم أولا في قوله - صلى الله عليه وسلم : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة ; حيث أطلقه ثم بينه بقوله : عدو إلخ ، بأن ذلك مقيد بهذه الصفة ، فحينئذ يصح أن يقال : فإذا كان كذلك فبأي غنيمة يفرح ( أو أي ميراث ) : الظاهر أنه بالرفع أي فأي ميراث ( يقسم ؟ ) : وأو للتنويع ، وفي النسخ بالجر ، فالمعنى : فبأي ميراث تقع القسمة ؟ وتأخير الميراث مع تقدمه سابقا نظيره قوله تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم الآية . ( فبينما هم كذلك إذ سمعوا ) أي : المسلمون ( ببأس ) : بموحدة وهمزة ساكنة ويبدل ، أي : بحرب شديد ، ( هو أكبر ) أي : أعظم ( من ذلك ) أي : مما سبق ، والمراد بالبأس أهله بارتكاب أحد المجازين المشهورين ( فجاءهم ) أي : المسلمين ( الصريخ ) : فعيل من الصراخ ، وهو الصوت ، أي : صوت المستصرخ وهو المستغيث ( أن الدجال ) : بفتح أن ويكسر ( قد خلفهم ) : بتخفيف اللام أي : قعد مكانهم ( في ذراريهم ) : بتشديد الياء أي : أولادهم ، وفي رواية : في أهليهم ( فيرفضون ) : بضم الفاء أي : فيتركون ويلقون ( ما في أيديهم ) أي : من الغنيمة وسائر الأموال فزعا على الأهل والعيال ( ويقبلون ) : من الإقبال أي : ويتوجهون إلى الدجال ( فيبعثون ) أي : يرسلون ( عشر فوارس ) : جمع فارس أي : راكب فرس ( طليعة ) : وهو من يبعث ليطلع على حال العدو ، كالجاسوس ، فعيلة بمعنى فاعلة يستوي فيه الواحد والجمع ، وإنما قال : عشر نظرا إلى أن الفوارس طلائع .

( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إني لأعرف أسماءهم " ) أي : العشرة ( " وأسماء آبائهم ، وألوان خيولهم " ) : فيه مع كونه من المعجزات دلالة على أن علمه تعالى محيط للكليات والجزئيات من الكائنات وغيرها ( " هم خير فوارس ، أو من خير فوارس ) : ظاهره أنه شك من الراوي ( " على ظهر الأرض " : احتراز من الملائكة ( " يومئذ " ) أي : حينئذ ، وهو احتراز من العشرة المبشرة وأمثالهم ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية