صفحة جزء
5449 - وعن عبد الله بن حوالة - رضي الله عنه - قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنغنم على أقدامنا ، فرجعنا فلم نغنم شيئا ، وعرف الجهد في وجوهنا ، فقام إلينا فقال : " اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم ، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ، ثم وضع يده على رأسي ، ثم قال : " يا ابن حوالة ! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة ، فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام ، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك " . رواه . . . . .


5449 - ( وعن عبد الله بن حوالة ) : بفتح الحاء المهملة وتخفيف الواو ، وقال المؤلف في فصل الصحابة : أزدي نزل الشام ، روى عن جبير بن نفير وغيره ، ( قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم " ) أي : أرسلنا ( لنغنم ) أي : لنأخذ الغنيمة ( على أقدامنا ) أي : ماشين عليها ، وهو حال من الضمير في بعثنا أي بعثنا رجالا غير ركاب ، ( فرجعنا ) أي : سالمين مأمونين ( فلم نغنم شيئا ) أي : فصرنا مغمومين محزونين ، ( وعرف الجهد ) : بالفتح ، وفي نسخة صحيحة بالضم ، ففي القاموس : الجهد الطاقة ويضم والمشقة . وقال ابن الملك : الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة . قلت : الظاهر أنهما لغتان لكل منهما ، والمراد به هنا المشقة ، وقد صرح شارح بالفتح ، واقتصر عليه السيد في أصله ، أي : وعرف مشقة ألم فقد الغنيمة ( في وجوهنا ) أي : فيما ظهر عليها من آثار الكآبة والحزن والخجالة والحياء ، ( فقام ) أي : خطيبا ( فينا ) أي : لأجلنا أو فيما بيننا ( فقال : " اللهم لا تكلهم " ) : من الوكول أي : لا تترك أمورهم ( " إلي " ) أي : إلى أمري ( " فأضعف عنهم " ) : بالنصب جوابا للنهي ; والسبب في ذلك أن الإنسان خلق ضعيفا ، وأن المخلوق من حيث هو عاجز عن نفسه ، فكيف عن غيره ; ولذا ورد في الدعاء النبوي : اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة ، وإني لا أثق إلا برحمتك . وقال تعالى : قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله وهذا هو التوحيد المبين بقوله : لا حول ولا قوة إلا بالله .

[ ص: 3435 ] وقد ورد في حديث رواه ابن عدي في الكامل أن إلياس والخضر - عليهما الصلاة والسلام - يلتقيان في كل عام بالموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم لما كان له القرب الإلهي قدم دفع وكولهم إليه أولا ثم قال : ( " ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها " ) : بكسر الجيم وفتح ، ففي القاموس : عجز من باب ضرب وسمع ، ثم في تأخير أنفسهم عن نفسه الأنفس إيماء إلى قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ( " ولا تكلهم إلى الناس " ) أي : إلى الخلق ، وإنما خص الناس لقرب الاستئناس ; ( " فيستأثروا عليهم " ) عدل عن قوله فيعجزوا لظهوره ، إلى قوله : فيستأثروا ; إشعارا بأنهم ما يكتفون بإظهار العجز ، بل يتبادرون إلى أن يختاروا الجيد لأنفسهم والرديء لغيرهم ، ففيه تعليم للأمة في شهود صنع الله والغيبة عما سواه ، حتى يكلوا أمورهم إليه ، ويعتمدوا في جميع حوائجهم عليه ; لأن من توكل على الله كفاه أمور دينه ودنياه ، كما قال : ومن يتوكل على الله فهو حسبه .

قال الطيبي - رحمه الله : المعنى : لا تفوض أمورهم إلي فأضعف عن كفاية مؤنتهم وسد خلتهم ، ولا تفوضهم إلى أنفسهم ، فيعجزوا عن أنفسهم ; لكثرة شهواتها وشرورها ، ولا تفوضهم إلى الناس فيختاروا أنفسهم على هؤلاء ; فيضيعوا ، بل هم عبادك فافعل بهم ما يفعل السادة بالعبيد . ( ثم وضع يده على رأسي ) ، أي : لحكمة ستأتي ، مع ما فيه من البركة ، وهو يحتمل الاستمرار على ذلك المرام حتى فرغ من الكلام ، ويحتمل أنه وضعها ثم رفعها ، ( ثم قال : " يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة " ) أي : خلافة النبوة ( " قد نزلت الأرض المقدسة " ) أي : من المدينة إلى أرض الشام ، كما وقعت في إمارة بني أمية ( " فقد دنت " ) أي : قربت ( " الزلازل " ) أي : وقوعها وهي مقدمات زلزلة الساعة التي هي شيء عظيم ، وقد أخبر سبحانه أيضا بقوله : إذا زلزلت الأرض زلزالها ، والزلزلة هي الحركة والزلزال مصدر ، ( " والبلابل " ) : جمع بلبلة ، ففي النهاية : هي الهموم والأحزان ، وبلبلة الصدر وسواسه ، ( " والأمور العظام " ) أي : من أشراط الساعة ، ( " والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه " ) أي : الموضوعة على رأسك ( " إلى رأسك " رواه ) : كذا هنا بياض بالأصل ، وألحق في الحاشية : رواه أبو داود وإسناده حسن ، ورواه الحاكم في صحيحه . جزري وألحق في نسخة : رواه أبو داود والحاكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية