صفحة جزء
5450 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا اتخذ الفيء دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وتعلم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه ، وأدنى صديقه ، وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات في المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمر ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ; فارتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع " . رواه الترمذي .


5450 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا اتخذ " ) : بصيغة المجهول أي : إذا أخذ ( " الفيء " ) أي : الغنيمة ( " دولا " ) : بكسر الدال وفتح الواو ويضم أوله جمع دولة بالضم والفتح ، أي : غلبة في المداولة والمناولة ، ففي القاموس : الدولة انقلاب الزمان ، والعقبة في المآل ويضم ، أو الضم فيه والفتح في الحرب ، أو هما سواء ، أو الضم في الآخرة والفتح في الدنيا ، الجمع : دول مثلثة . وفي شرح ابن الملك قال الأزهري : الدولة بالضم اسم لما يتناول من المال يعني الفيء ، وبالفتح الانتقال من حال البؤس والضر إلى حال السرور .

[ ص: 3436 ] قال التوربشتي - رحمه الله : أي إذا كان الأغنياء وأصحاب المناصب يستأثرون بحقوق الفقراء ، أو يكون المراد منه أن أموال الفيء تؤخذ غلبة وأثرة صنيع أهل الجاهلية وذوي العدوان ، ( " والأمانة مغنما " ) ، أي : بأن يذهب الناس بودائع بعضهم وأماناتهم ، فيتخذونها كالمغانم يغنمونها ، ( " والزكاة مغرما " ) أي : بأن يشق عليهم أداؤها حتى تعد غرامة ، ( " وتعلم " ) : بصيغة المجهول من باب التفعل ( " لغير الدين " ) ، قال الطيبي - رحمه الله : هو بالألف واللام ، كذا في جامع الترمذي ، وجامع الأصول ، وفي نسخة المصابيح بغير اللام ، والأولى أولى ، أي : رواية ودراية ، أي : يتعلمون العلم لطلب الجاه والمال لا للدين ونشر الأحكام بين المسلمين ; لإظهار دين الله ، ( " وأطاع الرجل امرأته " ) أي : فيما تأمره وتهواه مخالفا لأمر الله وهداه ، ( " وعق أمه " ) أي : خالفها فيما تأمره وتنهاه ، وفي القرينتين إشعار بانقلاب الدهر ; لانعكاس الأمر ، كما في قوله : ( " وأدنى صديقه ، وأقصى أباه " ) ; حيث قرب صديقه الأجنبي إليه ، وبعد أقرب الأقربين منه ، مع أنه أشفق الأشفقين عليه ، هذا وقال ابن الملك : خص عقوق الأم بالذكر ، وإن كان عقوق كل من الأبوين معدودا من الكبائر ; لتأكد حقها ، أو لكون قوله : وأقصى أباه بمنزلة وعق أباه ، فيكون عقوقهما مذكورا . أقول : ففيه تفنن وتسجيع ، مع زيادة المبالغة في قوله : أقصى ، على قوله : عق ، على أنه يفهم عقوق الأب من عقوق الأم بالأولى .

وقال الطيبي - رحمه الله : قوله : وأدنى صديقه وأقصى أباه ، كلاهما قرينة لقوله : وأطاع الرجل امرأته وعق أمه ، لكن المذموم في الأولى الجمع بينهما ; لأن إدناء الصديق محمود ، بخلاف الثانية ، فإن الإفراد والجمع بينهما مذمومان . وأقول : فيه نظر ; لأن إطاعة المرأة والأم في المباح مندوبتان ، وفي المعصية منهيتان ، فالغرابة بينهما إنما هي في انعكاس القضية وانقلاب البلية ، وكذا في القرينتين الأوليين ; إذ يتصور إدناء الصديق الصالح وإبعاد الأب الصالح ، ويؤيد ما حررنا قوله : فرجح جانب الزوجة لأنها محل الشهوة على جانب الأم ، فإنها مرضاة الرب ، وخص الأم بالذكر لزيادة حقها ، وتأكد مشقتها في تربيته ، فعقوقها أقبح من عقوق الأب ، وأدنى صديقه أي : قربه إلى نفسه للمؤانسة والمجالسة ، وأقصى أباه أبعده ولم يستصحبه ولم يستأنس به . ( وظهرت الأصوات ) أي : رفعها ( في المساجد ) ، وهذا مما كثر في هذا الزمان ، وقد نص بعض علمائنا بأن رفع الصوت في المسجد ولو للذكر حرام ، ( وساد القبيلة ) : وفي معناه البلد والمحلة ( فاسقهم ) ، وظالمهم بالأولى ، وقد كثر هذا أيضا ، والظاهر أن الكثرة هي العلامة ، وإلا فلم يكن يخلو زمان عن مثل هذه الأشياء ، وقد قال تعالى : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ( وكان زعيم القوم ) أي : المتكفل بأمرهم ( أرذلهم ) أي : أبخلهم ، أو أكثرهم رذالة في النسب والحسب .

قال السيوطي : زعيم القوم رأسهم . وفي القاموس : الزعيم الكفيل ، وسيد القوم رأسهم والمتكلم عنهم ، ثم اعلم أن النسخ جميعها على رفع " زعيم " ونصب " أرذلهم " ، وكان الظاهر أن يعكس ، اللهم إلا أن يراد بالزعيم الكريم ، وبالأرذل الأحمق والأخمل ، وفي المال والجاه أقل ، ( " وأكرم الرجل " ) أي : عظم ( " مخافة شره " ) أي : لا لسبب غيره من نحو رجاء خيره ، ( " وظهرت القينات " ) : بفتح القاف وسكون التحتية أي : الإماء المغنيات ، ( " والمعازف " ) ، بفتح الميم وكسر الزاي أي : وظهرت آلات اللهو ، ( " وشربت " ) : بصيغة المجهول ( " الخمور " ) أي : أنواع الخمر ، والمراد أنها تشرب شربا ظاهرا ، ( " ولعن آخر هذه الأمة أولها " ) : فيه إشارة إلى أن هذه العلامة من خصوصيات هذه الأمة ، وأنها لم تقع في الأمم السابقة ، وهي المناسبة أن تكون من أشراط الساعة ، ويؤيده أنه لو قيل لليهود والنصارى : من أفضل أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب موسى وعيسى - عليهما الصلاة .

[ ص: 3437 ] قال الطيبي رحمه الله : أي طعن الخلف في السلف ، وذكروهم بالسوء ، ولم يقتدوا بهم في الأعمال الصالحة ، فكأنه لعنهم . أقول : إذا كانت الحقيقة متحققة فما المحوج إلى العدول عنها إلى المعنى المجازي ، وقد كثرت كثرة لا تخفى في العالم ، مع أن الله تعالى قال في حق الأولين : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وقال : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة والكتاب والسنة مشحونان بمناقبهم وفضائلهم ، وهم الذين نصروا نبيهم في اجتهاده ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، فتحوا بلاد الإسلام ، وحفظوا الأحكام وسائر العلوم من سيد الأنام ، وانتفعوا بهم علماء الأعلام ومشايخ الكرام ، وقد علمنا الله في كتابه أن نقول في حقهم : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، وقد ظهرت طائفة لاعنة ملعونة ، إما كافرة أو مجنونة ، حيث لم يكتفوا باللعن والطعن في حقهم ، بل نسبوهم إلى الكفر بمجرد أوهامهم الفاسدة وأفهامهم الكاسدة من أن أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - أخذوا الخلافة وهي حق علي بغير حق ، والحال أن هذا باطل بالإجماع سلفا وخلفا ، ولا اعتبار بإنكار المنكرين ، وأي دليل لهم من الكتاب والسنة يكون نصا على خلافة علي ، ثم من خالفه من بعض الصحابة في أيام خلافته أيضا بناء على اختلاف اجتهاد ، فليس يستحق اللعن ، غايته أنه كان مخطئا ، ولو فرضنا أنه كان مسيئا ، فلعله مات تائبا ، أو باقيا تحت المشيئة مع غالب رجاء المغفرة والشفاعة ببركة الخدمة المتقدمة .

وقد روى ابن عساكر عن علي - كرم الله تعالى وجهه - مرفوعا : يكون لأصحابي زلة ، يغفرها الله لهم ; لسابقتهم معي . فنحن مع كثرة ذنوبنا من الصغائر والكبائر ، إذا كنا راجين رحمة ربنا وشفاعة نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - فكيف بأكابر هذه الأمة ، وبأنصار هذه الملة ، ومن العجيب أن طائفة الرافضة المرفوضة ، الباغضة المبغوضة ، أفسق الخلق وأظلمهم ، وأحمق العالمين وأجهلهم ، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، هذا وقد قال - صلى الله تعالى عليه وسلم : " لا تذكروا موتاكم إلا بخير " . وقال : " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا " .

وقد أخرج ابن عساكر عن جابر مرفوعا : " حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر ، وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم كفر ، وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر ، ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ، ومن حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة " . ( " فارتقبوا " ) : جواب إذا ، والمعنى : فانتظروا ( " عند ذلك " ) أي : عند وجود ما ذكر ( " ريحا حمراء " ) أي : شديدة في الهواء ( " وزلزلة " ) أي : حركة عظيمة للأرض ( " وخسفا " ) أي : ذهابا في الأرض وغيبوبة فيها ( " ومسخا " ) : بتغيير الصور على طبق اختلاف تغير السير ( " وقذفا " ) أي : رمي حجارة من السماء ( " وآيات " ) أي : علامات أخر لدنو القيامة وقرب الساعة ، ( " تتابع " ) : بحذف إحدى التاءين أي يتبع بعضها بعضا ( " كنظام " ) : بكسر النون أي : عقد من نحو جوهر وخرز ( " قطع سلكه " ) : بكسر السين أي : انقطع خيطه ( " فتتابع " ) أي : ما فيه من الخرز ، وهو فعل ماض بخلاف الماضي ، فإنه حال أو استقبال . ( رواه الترمذي ) أي : وقال : غريب . وروى أحمد ، والحاكم عن ابن عمر مرفوعا : " الآيات خرزات منظومات في سلك ، فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية