صفحة جزء
[ ص: 3449 ] باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

الفصل الأول

5464 - عن حذيفة بن أسيد الغفاري - رضي الله عنه - قال : اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر . فقال : " ما تذكرون ؟ " . قالوا : نذكر الساعة . قال : " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، فذكر الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ، وفي رواية : " نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر " . وفي رواية في العاشرة : " وريح تلقي الناس في البحر " رواه مسلم .


[ 3 ] باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

وفي نسخة : باب علامات ، وقوله : بين يدي الساعة أي : قدامها ، وأصله أن يستعمل في مكان يقابل صدر الشخص مما بين يديه ، ثم نقل إلى الزمان ، ثم قوله : وذكر الدجال من باب التخصيص بعد التعميم ، وهو من دجل إذا ساح في الأرض ، ويقال : دجل فلان الحق إذا أعطاه ، وفي النهاية : أصل الدجال الخلط ، يقال : دجل إذا لبس وموه ، والدجال فعال من أبنية المبالغة ، أي : يكثر منه الكذب والتلبيس ، وهو الذي يظهر في آخر الزمان يدعي الإلهية .

الفصل الأول

5464 - ( عن حذيفة بن أسيد ) : بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ، ذكره ابن الملك ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه ، ( الغفاري ) : بكسر الغين المعجمة نسبة إلى قبيلة منهم أبو ذر ، ( قال : اطلع ) : بتشديد الطاء أي : أشرف ( النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - علينا ) أي : وشرفنا بطلعة وجهه المشتمل على الخدين الغالب نورهما على طلوع القمرين ; حيث يستفاد منه ضياء الدارين ، ( ونحن نتذاكر ) أي : فيما بيننا ، ( فقال : " ما تذكرون ؟ " ) أي : بعضكم مع بعض ، ( قالوا ) ، وفي نسخة قلنا ( نذكر الساعة ) أي : أمر القيامة واحتمال قيامها في كل ساعة ، ( قال : " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات " ) أي : علامات ( " فذكر " ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بيانا للعشر ( " الدخان " ) : قال الطيبي - رحمه الله : هو الذي ذكر في قوله تعالى : يوم تأتي السماء بدخان مبين ، وذلك في عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - انتهى . ويؤيده ما قال ابن مسعود : هو عبارة عما أصاب قريشا من القحط ، حتى يرى الهواء لهم كالدخان ، لكن قال حذيفة : هو على حقيقته ; لأنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - سئل عنه فقال : " يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، والمؤمن يصير كالزكام ، والكافر كالسكران " ، فقوله : يصير كالزكام أي : كصاحب ، أو مصدر بمعنى المفعول أي : كالمزكوم ، أو هو من باب المبالغة كرجل عدل ، ( " والدجال ، والدابة " ) : وهي المذكورة في قوله تعالى : أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ، ( " وطلوع الشمس من مغربها " ) ، قيل : للدابة ثلاث خرجات ، أيام المهدي ، ثم أيام عيسى ، ثم بعد طلوع الشمس من مغربها ، ذكره ابن الملك . ( " ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام " ) أي : المنضم إلى ظهوره المهدي الأعظم ، فهو من باب الاكتفاء .

وقد روى الطبراني عن أوس مرفوعا " ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق " . وروى الترمذي عن مجمع بن جارية مرفوعا : " يقتل ابن مريم الدجال بباب لد " : في النهاية : هو موضع بالشام ، وقيل بفلسطين ، كذا في شرح الترمذي للسيوطي ، وفي القاموس : لد بالضم قرية بفلسطين ، يقتل عيسى - عليه الصلاة والسلام - الدجال عند بابها ، هذا وقد قيل : إن أول الآيات الدخان ، ثم خروج الدجال ، ثم نزول عيسى - عليه الصلاة والسلام - ثم خروج يأجوج ومأجوج ، ثم خروج الدابة ، ثم طلوع الشمس من مغربها ، فإن الكفار يسلمون في زمن عيسى - عليه السلام - حتى تكون الدعوة واحدة ، ولو كانت الشمس طلعت من مغربها قبل خروج الدجال ونزوله لم يكن الإيمان مقبولا من الكفار ، قالوا ولمطلق الجمع فلا يرد أن نزوله قبل طلوعها ، ولا ما سيأتي أن طلوع الشمس أول الآيات . ( " ويأجوج ومأجوج " ) : بألف فيهما ويهمز أي : خروجهما ، ( " وثلاثة خسوف " ) :

[ ص: 3450 ] قال ابن الملك : قد وجد الخسف في مواضع ، لكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد ، كأن يكون أعظم مكانا وقدرا ( " خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب " ) : بالرفع في الثلاثة على تقدير أحدها أو منها ، ولو روي بالجر لكان له وجه من البداية ، ( " وآخر ذلك " ) أي : ما ذكر من الآيات ( نار تخرج من اليمن ) ، وفي رواية : تخرج من أرض الحجاز .

وقال القاضي عياض : لعلها ناران تجتمعان تحشران الناس ، أو يكون ابتداء خروجها من اليمن ، وظهورها من الحجاز ، ذكره القرطبي - رحمه الله - ثم الجمع بينه وبين ما في البخاري : أن أول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق إلى المغرب ، بأن آخريتها باعتبار ما ذكر من الآيات ، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمر الدنيا أصلا ، بل يقع بانتهائها النفخ في الصور ، بخلاف ما ذكر معها ، فإنه يبقى مع كل آية منها أشياء من أمور الدنيا ، كذا ذكره بعض المحققين من العلماء الموفقين . ( " تطرد " ) أي : تسوق تلك النار ( الناس إلى محشرهم ) : بفتح الشين ويكسر أي : إلى مجمعهم ، وموقفهم ، قيل : المراد من المحشر أرض الشام ، إذ صح في الخبر : إن الحشر يكون في أرض الشام ، لكن الظاهر أن المراد أن يكون مبتدؤه منها ، أو تجعل واسعة تسع خلق العالم فيها .

( وفي رواية ) أي : لمسلم أو غيره ( " نار تخرج من قعر عدن " ) أي : أقصى أرضها ، وهو غير منصرف ، وقيل منصرف باعتبار البقعة والموضع ، ففي المشارق عدن مدينة مشهورة باليمن ، وفي القاموس عدن محركة جزيرة باليمن ، ( " تسوق " ) أي : تطرد النار ( " الناس إلى المحشر " . وفي رواية في العاشرة ) أي : في بيانها وبدلا عما ذكر فيها من النار ( " وريح تلقي الناس في البحر " ) ، ولعل الجمع بينهما أن المراد بالناس الكفار ، وأن نارهم تكون منضمة إلى ريح شديدة الجري ، سريعة التأثير في إلقائها إياهم في البحر ، وهو موضع حشر الكفار ، أو مستقر الفجار ، كما ورد : إن البحر يصير نارا ، ومنه قوله تعالى : وإذا البحار سجرت ، بخلاف نار المؤمنين ، فإنها لمجرد التخويف بمنزلة السوط مهابة ; لتحصيل السوق إلى المحشر والموقف الأعظم ، والله تعالى أعلم . ( رواه مسلم ) ، وكذا أبو داود ، والترمذي ، والنسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية