صفحة جزء
5475 - وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال فقال : " إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط ، عينه طافية ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، وفي رواية : " فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف ، فإنها جواركم من فتنته ، إنه خارج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا ، وعاث شمالا ، يا عباد الله فاثبتوا . قلنا : يا رسول الله ! وما لبثه في الأرض ؟ قال : " أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم . قلنا : يا رسول الله ! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره . وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى ، وأسبغه ضروعا ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم ، فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم ، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا ، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه ; فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء ، شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ ; فلا يحل لكافر أن يجد من ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ، ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ( وهم من كل حدب ينسلون ) ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقول : لقد كان بهذه مرة ماء ، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر ، وهو جبل بيت المقدس ، فيقولون لقد قتلنا من في الأرض ، هلم فلنقتل من في السماء ، فيرمون بنشابهم إلى السماء ، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما ، ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم ، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ; فيرسل الله طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله .

وفي رواية : تطرحهم بالنهبل ، ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ، ثم يرسل الله مطرا لا يكن بيت مدر ولا وبر ; فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ، ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل ، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينا هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة " . رواه مسلم إلا الرواية الثانية وهي قوله : " تطرحهم بالنهبل " إلى قوله : " سبع سنين " . رواها الترمذي .


5475 - ( وعن النواس ) : بتشديد الواو ( بن سمعان ) : بكسر السين وتفتح ، ( قال : ذكر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - الدجال ) أي : خروجه وسائر أموره وابتلاء الناس به ، ( فقال : " إن يخرج وأنا فيكم " ) أي : موجود فيما بينكم فرضا وتقديرا ( فأنا حجيجه ) : فعيل بمعنى الفاعل ، من الحجة وهي البرهان أي : غالب عليه بالحجة ، ( دونكم " ) أي : قدامكم ، ودافعه عنكم وأنا إمامكم وأمامكم ، وفيه إرشاد إلى أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان في المحاجة معه غير محتاج إلى معاونة معاون من أمته في غلبته عليه بالحجة ، كذا ذكره الطيبي - رحمه الله - والأظهر أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - يدفعه بنور النبوة ، ويدفع خارق عادته الباطل بمعجزاته المقرونة بالحق من غير دليل وبرهان ; لأن بطلانه أظهر من الشمس عند أرباب العرفان ، وأيضا هو من المصممين على الباطل من دعوته ، ولم يلتفت إلى المجادلة وإثبات الأدلة ، وإلا فيحمد الله سبحانه من يوجد في الأمة من يحقق الملة بالحجة ، لا سيما خاتمة الأولياء وهو المهدي وزبدة الأنبياء وهو عيسى - عليه الصلاة والسلام - وحاصله : أنه لا ينفع معه الكلام ، فدفعه إما بإعدامه مع وجود سيد الأنام ، أو بذوبانه ، وقتله على يد عيسى - عليه الصلاة والسلام - هذا ما ظهر لي في هذا المقام ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالمرام .

قال التوربشتي رحمه الله ، فإن قيل : أو ليس قد ثبت في أحاديث الدجال أنه يخرج بعد خروج المهدي ، وأن عيسى - عليه الصلاة والسلام - يقتله ، إلى غير ذلك من الوقائع الدالة على أنه لا يخرج ونبي الله بين أظهرهم ، بل لا تراه القرون الأولى من هذه الأمة ، فما وجه قوله : إن يخرج وأنا فيكم ؟ قلت : إنما سلك هذا المسلك من التورية ; لإبقاء الخوف على المكلفين من فتنه واللجأ إلى الله تعالى من شره ; لينالوا بذلك من الله ; ويتحققوا بالشح على دينهم . وقال المظهر : يحتمل أن يريد تحقق خروجه ، والمعنى : لا تشكوا في خروجه ، فإنه سيخرج لا محالة ، وأن يريد به عدم علمه بوقت خروجه ، كما أنه كان لا يدري متى الساعة .

قال الطيبي - رحمه الله : والوجه الثاني من الوجهين هو الصواب ; لأنه يمكن أن يكون قوله هذا قبل علمه - صلى الله تعالى عليه وسلم - بذلك . أقول : كان حقه أن يقول هو الظاهر ; ليطابق تعليله بقوله : لأنه يمكن ، إذ مع الإمكان لا يقال في حق أحدهما هو الصواب ; لاحتمال الخطأ في كل واحد منهما ، والله تعالى أعلم بالصواب ، وخلاصة المعنى : أني إن كنت فيكم فأكفيكم شره وقت خروجه ، ( وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه " ) : بالرفع أي : فكل امرئ يحاجه ويحاوره ويغالبه لنفسه ، كذا قاله الطيبي - رحمه الله - أي : ليدفع شره عن نفسه بما عنده من الحجة ، كما قاله ابن الملك ، لكن هذا على تقدير أنه يسمع الحجة ، وإلا فالمعنى أن كل أحد يدفع عن [ ص: 3457 ] نفسه شره بتكذيبه واختيار صورة تعذيبه ، ( والله خليفتي على كل مسلم ) ، يعني : والله سبحانه وتعالى ولي كل مسلم وحافظه ، فيعينه عليه ويدفع شره ، وهذا دليل على أن المؤمن الموقن لا يزال منصورا ، وإن لم يكن معه نبي ، ولا إمام ; ففيه رد على الإمامية من الشيعة ، ( " إنه " ) أي : الدجال ، وهو استئناف بيان لبعض أحواله ، وتبيان لبعض ما يفيد في دفع شر أفعاله ، ( " شاب ) : فيه إشعار بأنه غير ابن الصياد ، وإيماء إلى أنه محروم من بياض الوقار ، وثابت على اشتداد السواد في الظاهر ، الذي هو عنوان الباطن من سواد الفؤاد ، ( " قطط " ) : بفتح القاف والطاء ، أي : شديد جعودة الشعر ، وفيه إيماء إلى استحباب تسريح الشعر دفعا للمشابهة بالهيئة البشيعة ، ( " عينه طافية " ) بالياء ويهمز أي : مرتفعة ، ( كأني أشبهه ) : بتشديد الموحدة ، أي : أمثله ( " بعبد العزى " ) : بضم العين وتشديد الزاي ، ( بن قطن ) بفتحتين ، وهو يهودي ، قاله شارح .

وقال الطيبي - رحمه الله : قيل : إنه كان يهوديا ، ولعل الظاهر أنه مشرك ; لأن العزى اسم صنم ، ويؤيده ما جاء في بعض الحواشي : هو رجل من خزاعة ، هلك في الجاهلية ، ثم قال الطيبي - رحمه الله : لم يقل : إنه عبد العزى ; لأنه لم يكن - صلى الله تعالى عليه وسلم - جازما في تشبيهه به ، قلت : لا شك في تشبيهه به ، إلا أنه لما كان معرفة المشبه في عالم الكشف أو المنام عبر عنه بكأني كما هو المعتبر في تعبير حكاية الرؤيا ، والله تعالى أعلم . ويمكن أن يقال : لما لم يوجد في الكون أقبح صورة منه ، فلا يتم التشبيه من جميع الوجوه ، بل ولا من وجه واحد ; عدل عن صيغة الجزم ، وعبر عنه بما عبر عنه ، ثم في صيغة الحال إشعار باستحضار صورة المآل . ( فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ) أي : أوائلها إلى ( كذبا ) ; لدلالة تلك الآيات على معرفة ذات الله وصفاته ، لكن لفظه : من أدرك الدجال فليقرأ عليه خواتمها ; فإنها جوار له من فتنته هباء منثورا ، وأن تابعه يدعو هلاكا وثبورا .

قال الطيبي - رحمه الله : المعنى أن قراءته أمان له من فتنته ، كما أمن تلك الفتية من فتنة دقيانوس الجبار .

( وفي رواية ) أي : لمسلم أيضا ( " فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف ; فإنها جواركم من فتنته " ) أي : بلية ( الدجال ) : والجوار بكسر الجيم ، وفي آخره راء على ما في نسخة السيد والشيخ الجزري ، وكثير من النسخ المصححة ، وفي بعضها بفتح الجيم وزاي في آخره ، وهو الصك الذي يأخذه المسافر من السلطان أو نوابه ; لئلا يتعرض لهم المترصدة في الطريق ، واقتصر عليه شارح المصابيح ، وذكره ابن الملك ثم قال : وفي بعض النسخ بكسر الجيم وبالراء ، فمعناه حافظكم ، انتهى .

وفي بعض شروح البردة : الجوار : بالكسر والضم ، والكسر أفصح هو الأمان ، هذا والمتبادر من كلام المؤلف أنها رواية لمسلم ، لكن صرح الجزري في حصنه بأنها رواية أبي داود عن النواس ، لكن لفظه : من أدرك الدجال فليقرأ عليه فواتحها ، فإنها جوار له من فتنته ، ثم اعلم أنه جاء في الحصن روايات متعددة في هذا المعنى ; حيث قال : من قرأها ، أي الكهف ، كما أنزلت كانت له نورا من مقامه إلى مكة ، ومن قرأ بعشر آيات من آخرها فخرج الدجال لم يسلط عليه . رواه النسائي ، والحاكم في مستدركه من حديث أبي سعيد الخدري ، واللفظ للنسائي وقال : رفعه خطأ ، والصواب أنه موقوف . وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد أيضا ، واختلف في رفعه ووقفه أيضا ، ولفظه : من قرأ سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة ، ومن قرأ بعشر آيات من آخرها ، ثم خرج الدجال لم يضره ، وروى مسلم ، وأبو داود عن أبي الدرداء مرفوعا : " من حفظ عشر آيات من أولها عصم من الدجال " ، وفي رواية أبي داود والنسائي عنه : " من فتنة الدجال " ، وفي رواية لمسلم [ ص: 3458 ] وأبي داود عنه : " من حفظ عشر آيات " ، والنسائي عنه : " من قرأ العشر الأواخر من الكهف عصم من فتنة الدجال " ، وفي رواية للترمذي عنه : من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال " . وفي رواية لمسلم والأربعة عن النواس بن سمعان : " من أدرك الدجال فليقرأ عليه فواتحها " الحديث . قيل : وجه الجمع بين الثلاث وبين قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " من حفظ عشر آيات " ; أن حديث العشر متأخر ، ومن عمل بالعشر فقد عمل بالثلاث ، وقيل : حديث الثلاث متأخر ومن عصم بثلاث ، فلا حاجة إلى العشر ، وهذا أقرب إلى أحكام النسخ .

أقول " . بمجرد الاحتمال لا يحكم بالنسخ ، مع أن النسخ إنما يكون في الإنشاء لا في الإخبار ، فالأظهر أن أقل ما يحفظ به من شره قراءة الثلاث ، وحفظها أولى ، وهو لا ينافي الزيادة ، كما لا يخفى . وقيل : حديث العشر في الحفظ ، وحديث الثلاث في القراءة ، فمن حفظ العشر وقرأ الثلاث كفي وعصم من فتنة الدجال ، وقيل : من حفظ العشر عصم من أن لقيه ، ومن قرأ الثلاث عصم من فتنته إن لم يلقه ، وقيل : المراد من الحفظ القراءة عن ظهر القلب ، ومن العصمة الحفظ من آفات الدجال ، والله تعالى أعلم بالأحوال .

( " إنه " ) أي : الدجال ( خارج خلة " ) : بفتح معجمة وتشديد لام أي : طريقا واقعا ، ( " بين الشام والعراق ) ، وأصله الطريق في الرمل ، وقال شارح : أي من سبيل بينهما ، ففيه إشارة إلى أنها منصوبة بنزع الخافض ، ويؤيده ما في النهاية ، أي : في طريق بينهما . قال النووي - رحمه الله : هكذا هو في نسخ بلادنا ، خلة بفتح الخاء المعجمة وتنوين التاء . وقال القاضي - رحمه الله : المشهور فيه حلة بالحاء المهملة ونصب التاء يعني غير منونة ، ومعناه : سمت ذلك وقبالته . قلت : المناسب أن يكون هي الحلة قرية بناحية دجلة من بغداد ، أهلها شر من في البلاد من العماد . قال : ورواه بعضهم حله بضم اللام وبهاء الضمير ، أي : نزوله وحلوله . قال : وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا ببلادنا ، وقوله : ( " فعاث ) : هو بعين مهملة وثاء مثلثة ماض من العيث ، وهو أشد الفساد والإسراع فيه . وحكى القاضي - رحمه الله : إنه رواه بعضهم فعاث ، على صيغة اسم الفاعل . قال الأشرف : قيل الصواب فيه فعاث بصيغة اسم الفاعل ; لكونه عطفا على اسم فاعل قبله ، وهو خارج . قلت : أكثر النسخ ، ومنها أصل السيد على أنه فعل ماض من العيث ، وفي بعضها عاث كقاض من العثي بمعنى العيث ، وهو الأصح الموافق لما في التنزيل من قوله : ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، ولكن القول بأنه الصواب خطأ ; إذ هما لغتان بمعنى الإفساد على ما هو مقرر في كتب اللغة ، فالحاصل أن الدجال فسد أو مفسد . ( يمينا ، وعاث شمالا " ) ، وهما ظرفا عاث ، والمعنى : يبعث سراياه يمينا وشمالا ، ولا يكتفي بالإفساد فيما يطؤه من البلاد ويتوجه له من الأغوار والأنجاد ، فلا يأمن من شره مؤمن ، ولا يخلو من فتنته موطن ولا مأمن ، ( " يا عباد الله " ) أي : أيها المؤمنون الموجودون في ذلك الزمان ، أو أنتم أيها المخاطبون على فرض أنكم تدركون ذلك الأوان ، ( " فاثبتوا ) أي : على دينكم وإن عاقبكم .

قال الطيبي - رحمه الله : هذا من الخطاب العام أراد به من يدرك الدجال من أمته ، ثم قيل : هذا القول منه استمالة لقلوب أمته وتثبيتهم على ما يعاينونه من شر الدجال ، وتوطينهم على ما هم فيه من الإيمان بالله تعالى واعتقاده وتصديق ما جاء به الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم .

( قلنا : يا رسول الله ! وما لبثه ) : بفتح لام وسكون موحدة أي : ما قدر مكثه وتوقفه ( في الأرض ؟ قال : أربعون يوما " ) ، وسيأتي حديث : يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة ، السنة كالشهر إلى آخره . لكنه [ ص: 3459 ] نقل البغوي في شرح السنة : ولا يصلح أن يكون معارضا لرواية مسلم هذه ، وعلى تقدير صحته لعل المراد بأحد المكثين مكث خاص على وصف معين مبين عند العالم به ، ( " يوم ) أي : من تلك الأربعين ( كسنة ) أي : مقدار عام في طول الزمان ، أو في كثرة الغموم والأحزان ، ( ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم " ) .

قال ابن الملك - رحمه الله : قيل : المراد منه أن اليوم الأول لكثرة غموم المؤمنين وشدة بلاء اللعين يرى لهم كسنة ، وفي اليوم الثاني يهون كيده ويضعف أمره ; فيرى كشهر ، والثالث يرى كجمعة ; لأن الحق في كل وقت يزيد قدرا ، والباطل ينقص حتى ينمحق أثرا ، أو لأن الناس كلما اعتادوا بالفتنة والمحنة يهون عليهم إلى أن تضمحل شدتها ، ولكن هذا القول مردود ; لأنه غير مناسب لما ذكر الراوي .

( قلنا : يا رسول الله ! فذلك اليوم الذي كسنة ) أي : مثلا ( أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره " ) ، بل هذا جار على حقيقته ، ولا امتناع فيه ; لأن الله تعالى قادر على أن يزيد كل جزء من أجزاء اليوم الأول ، حتى يصير مقدار سنة خارقا للعادة ، كما يزيد في أجزاء ساعة من ساعات اليوم . انتهى . وفيه أن هذا القول الذي قرره على المنوال الذي حرره لا يفيد إلا بسط الزمان ، كما وقع له - صلى الله تعالى عليه وسلم - في قصة الإسراء مع زيادة على المكان ، لكن لا يخفى أن سبب وجوب كل صلاة إنما هو وقته المقدر من طلوع صبح وزوال شمس وغروبها وغيبوبة شفقها ، وهذا لا يتصور إلا بتحقق تعدد الأيام والليالي على وجه الحقيقة ، وهو مفقود ، فالتحقيق ما قاله الشيخ التوربشتي - رحمه الله تعالى - وهو أنه يشكل من هذا الفصل قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة " ، مع قوله : وسائر أيامه كأيامكم ، ولا سبيل إلى تأويل امتداد تلك الأيام على أنها وصفت بالطول والامتداد ; لما فيها من شدة البلاء وتفاقم البأساء والضراء ; لأنهم قالوا : يا رسول الله ! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : " لا " . الحديث .

فنقول ، وبالله التوفيق ، ومنه المعونة في التحقيق : قد تبين لنا بإخبار الصادق المصدوق - صلوات الله تعالى وسلامه عليه - أن الدجال يبعث معه من المشبهات ، ويفيض على يديه من التمويهات ما يسلب عن ذوي العقول عقولهم ، ويخطف من ذوي الأبصار أبصارهم ، فمن ذلك تسخير الشياطين له ، ومجيئه بجنة ونار ، وإحياء الميت على حسب ما يدعيه ، وتقويته على من يريد إضلاله ، تارة بالمطر والعشب ، وتارة بالأزمة والجدب ، ثم لا خفاء بأنه أسحر الناس ، فلم يستقم لنا تأويل هذا القول ، إلا أن نقول : إنه يأخذ بأسماع الناس وأبصارهم ، حتى يخيل إليهم أن الزمان قد استمر على حالة واحدة إسفار بلا ظلام ، وصباح بلا مساء ، يحسبون أن الليل لا يمد عليهم رواقه ، وأن الشمس لا تطوي عنهم ضياءها ، فيبقون في حيرة والتباس من امتداد الزمان ، ويدخل عليهم دواخل باختفاء الآيات الظاهرة في اختلاف الليل والنهار ، فأمرهم أن يجتهدوا عند مصادمة تلك الأحوال ، ويقدروا لكل صلاة قدرها إلى أن يكشف الله عنهم تلك الغمة ، هذا الذي اهتدينا إليه من التأويل ، والله الموفق لإصابة الحق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

وفي شرح مسلم للنووي - رحمه الله - قالوا : هذا على ظاهره ، وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث ، يدل عليه قوله : " وسائر أيامه كأيامكم " .

وأما قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " اقدروا له قدره " فقال القاضي - رحمه الله - وغيره : هذا حكم مخصوص بذلك ، شرعه لنا صاحب الشرع ، قالوا : ولولا هذا الحديث ، لوكلنا إلى اجتهادنا اقتصرنا على الصلاة عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام ، ومعناه : إذا بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر في كل يوم ; فصلوا الظهر ، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر ; فصلوا العصر ، فإذا مضى بعدها قدر ما يكون بينها وبين المغرب ; فصلوا المغرب ، وكذا العشاء والصبح ، ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ، وكذا حتى ينقضي ذلك اليوم ، وقد وقع فيه صلاة السنة فرائض مؤداة في وقتها ، وأما الثاني الذي كشهر ، والثالث الذي كجمعة ، فيقاس على [ ص: 3460 ] اليوم الأول في أنه يقدر له كاليوم الأول على ما ذكرناه انتهى . وحاصله : أن الأوقات للصلاة أسباب ، وتقدم المسببات على الأسباب غير جائز إلا بشرع مخصوص ، كما يقدم العصر على وقته بعرفات ، فمعنى اقدروا أي : قدروا وخمنوا له ، أي : لأداء الصلاة الخمس ، قدره أي : قدر يوم كذا . قيل : والأظهر ما قاله شارح أي : قدروا لوقت الصلاة يوما في يوم كسنة مثلا قدره ، أي : قدره الذي كان له في سائر الأيام كمحبوس اشتبه عليه الوقت .

( قلنا : يا رسول الله ! وما إسراعه ) أي : ما قدر إسراعه أو كيفية إعجاله ( في الأرض ) ؟ أي : في سيرها وطي ساحتها . قال الطيبي - رحمه الله : لعلهم علموا أن له إسراعا في الأرض ; فسألوا عن كيفيته ، كما كانوا عالمين بلبثه ; فسألوا عن كميته بقولهم : ما لبثه ؟ أي ما مدة لبثه ؟ ( قال : كالغيث ) : المراد به هنا الغيم إطلاقا للسبب على المسبب ، أي : يسرع في الأرض إسراع الغيم ( استدبرته الريح " ) . قال ابن الملك : الجملة حال أو صفة للغيث ، وأل فيه للعهد الذهني ، والمعنى أن هذا مثال لا يدرك كيفيته ، ولا يمكن تقدير كميته ، ( فيأتي ) أي : فيمر الدجال ( " على القوم " ) أي : على جنس من الناس ( " فيدعوهم " ) أي : إلى باطله ( " فيؤمنون به ، فيأمر السماء " ) أي : السحاب ( " فتمطر " ) : من الإمطار حتى تجري الأنهار ، ( " والأرض " ) أي : ويأمرها ( " فتنبت " ) : من الإنبات حتى تظهر الأزهار استدراجا من الواحد القهار ، ( " فتروح عليهم سارحتهم " ) أي : فترجع بعد زوال الشمس إليهم ماشيتهم التي تذهب بالغدوة إلى مراعيها ( " أطول ما كانت " ) أي : السارحة من الإبل ، ونصب أطول على الحالية ، وقوله : ( " ذرى " ) : بضم الذال المعجمة ، وحكي كسرها ، وفتح الراء منونا جمع ذروة مثلثة ، وهي أعلى السنام ، وذروة كل شيء أعلاه ، وهو كناية عن كثرة السمن ، ( وأسبغه ) أي : وأتم ما كانت ( ضروعا " ) : بضم أوله جمع ضرع ، وهو الثدي كناية عن كثرة اللبن ، ( وأمده ) أي : وأمد ما كانت وهو اسم تفضيل من المد ( " خواصر " ) : جمع خاصرة ، وهي ما تحت الجنب ومدها كناية عن الامتلاك وكثرة الأكل ، ( " ثم يأتي القوم ) أي : قوما آخرين ، وفي العدول عن قوله : على ، بناء على ما سبق ، إشعار بأن إتيانه على الأولين ضرر في الحقيقة دون الآخرين ( " فيدعوهم " ) أي : بدعوى ألوهيته ( " فيردون عليه قوله ) أي : لا يقبلونه أو يبطلونه بالحجة ، ( " فينصرف عنهم " ) ، فيه إشارة إلى أنه ليس له قدرة الإجبار . قال تعالى جل جلاله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ، والمعنى فيصرفه الله عنهم ، ( " فيصبحون ممحلين ) : بضم الميم وبالحاء أي : داخلين المحل . قال التوربشتي - رحمه الله : أمحل القوم أصابهم المحل ، وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ ، ( " ليس بأيديهم شيء من أموالهم " ) ، والحاصل أن المؤمنين صاروا به مبتلين بأنواع من البلاء والمحن والضراء ، ولكنهم صابرون وراضون وشاكرون ; لما أعطاهم الله من صفات الأولياء ; ببركة سيد الأنبياء وسيد الأصفياء ، ( " ويمر على الخربة " ) : بكسر الراء أي : يمر الدجال بالأرض الخربة وبالبقاع الخربة ، ( " فيقول لها : أخرجي كنوزك ) أي : مدفونك أو معادنك ، ( فتتبعه " ) : الفاء فصيحة أي : فتخرج فتعقب الدجال ( " كنوزها كيعاسيب النحل ) أي : كما يتبع النحل اليعسوب .

قال النووي - رحمه الله : اليعاسيب ذكور النحل ، هكذا فسره ابن قتيبة وآخرون . قال القاضي - رحمه الله : المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة ، لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب ، وهو أميرها ; لأنه متى طار تبعته جماعته ، [ ص: 3461 ] ومنه قيل للسيد يعسوب . وروى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - مرفوعا : علي يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين ، ففي الكلام نوع قلب ; إذ حق الكلام كنحل اليعاسيب ، ولعل النكتة في جمع اليعاسيب هو الإيماء إلى كثرة الكنوز التابعة ، وأنه قدر كأنه جمع باعتبار جوانبه وأطرافه ، والمراد جمع من أمرائه ووكلائه . وقال الأشرف ، وقوله : كاليعاسيب كناية عن سرعة اتباعه ، أي : تتبعه الكنوز بالسرعة . وقال الطيبي - رحمه الله : إذا كان قوله : كاليعاسيب حالا من الدجال ، فالخربة صفة البقاع ، وإذا كان حالا من الكنوز فيجوز أن يكون الموصوف جمعا أو مفردا .

( " ثم يدعو رجلا ) أي : يطلبه حال كونه ( " ممتلئا " ) أي : تاما كاملا قويا ( " شابا ) ، تمييز عن النسبة . قال الطيبي - رحمه الله : والممتلئ شبابا هو الذي يكون في غاية الشباب ، ( " فيضربه بالسيف ) أي : غضبا عليه ; لإبائه قبول دعوته الألوهية ، أو إظهارا للقدرة وتوطئة لخرق العادة ، ( فقطعه جزلتين " ) : بفتح الجيم وتكسر أي : قطعتين تتباعدان ، ( رمية الغرض ) أي : قدر حذف الهدف فهي منصوبة بمقدر ، وفائدة التقييد به أن يظهر عند الناس أنه هلاك بلا شبهة ، كما يفعله السحرة والمشعبذة . قال النووي - رحمه الله : هو بفتح الجيم على المشهور ، وحكى ابن دريد كسرها ، ومعنى رمية الغرض أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رمية الغرض ، هذا هو الظاهر المشهور ، وحكى القاضي هذا ، ثم قال : وعندي أن فيه تقديما وتأخيرا ، وتقديره : فيصيبه إصابة رمية الغرض ، فيقطعهن جزلتين والصحيح الأول . قال التوربشتي - رحمه الله : أراد برمية الغرض إما سرعة نفوذ السيف ، وإما إصابة المحز . قال الطيبي - رحمه الله : ويؤيد تأويل النووي قوله في الحديث الذي يليه ، ثم يمشي الدجال بين القطعتين .

( ثم يدعوه ، فيقبل ) أي : الرجل الشاب على الدجال ، ( " ويتهلل " ) أي : يتلألأ ويضيء ، ( " وجهه يضحك " ) : حال من فاعل يقبل ، أي : يقبل ضاحكا بشاشا ; فيقول : هذا كيف يصلح إلها ؟ ( " فبينما " ) : بالميم على الصحيح ( " هو ) أي : الرجل ( كذلك " ) أي : على تلك الحال وذلك المنوال ( " إذ بعث الله المسيح بن مريم " ) ، عليهما الصلاة والسلام ، فسبحان من يدفع المسيح بالمسيح ! قال تعالى جل شأنه : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، ( " فينزل ) أي : عيسى عليه الصلاة والسلام ( " عند المنارة البيضاء شرقي " ) : بالنصب على الظرفية مضافا إلى قوله : ( " دمشق " ) : بكسر الدال وفتح الميم وتكسر ، وهو المشهور الآن بالشام ، فإنه تحت ملكه .

وفي الجامع : روى الطبراني عن أوس بن أوس : ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، ذكر السيوطي في تعليقه على ابن ماجه أنه قال الحافظ ابن كثير في رواية : إن عيسى - عليه الصلاة والسلام - ينزل ببيت المقدس ، وفي رواية : بالأردن ، وفي رواية : بمعسكر المسلمين ، قلت : حديث نزوله ببيت المقدس عند ابن ماجه ، وهو عندي أرجح ، ولا ينافي سائر الروايات ; لأن بيت المقدس شرقي دمشق ، وهو معسكر المسلمين إذ ذاك ، والأردن اسم الكورة كما في الصحاح ، وبيت المقدس داخل فيه ، وإن لم يكن في بيت المقدس الآن منارة ، فلا بد أن تحدث قبل نزوله ، والله تعالى أعلم .

وقوله : ( " بين مهرودتين " ) : بالدال المهملة ويعجم ، أي : حال كون عيسى بينهما ، بمعنى لابس حلتين مصبوغتين بورس أو زعفران . قال النووي - رحمه الله : روي بالدال المهملة ، والذال المعجمة أكثر ، والوجهان مشهوران للمتقدمين والمتأخرين ، وأكثر ما يقع في النسخ بالمهملة ، ومعناه لابس ثوبين مصبوغين بالورس ثم [ ص: 3462 ] الزعفران . انتهى . وقال ابن الأنباري : يروى بدال مهملة ومعجمة ، أي : بين مخصرتين على ما جاء في الحديث ، ولا نسمعه إلا فيه ، وكذلك أشياء كثيرة لم تسمع إلا في الحديث ، والمخصرة من الثياب التي فيها صفرة خفيفة ، كذا في النهاية ، ( " واضعا كفيه على أجنحة ملكين " ) : حال لبيان كيفية إنزاله ، كما أن ما قبله حال لبيان كيفية لبسه وجماله ، ثم بين له حالة أخرى بقوله : ( " إذا طأطأ " ) بهمزتين أي : خفض ، ( " رأسه قطر " ) أي : عرق ( " وإذا رفعه " ) أي : رأسه ( " تحدر " ) : بتشديد الدال أي : نزل ( " منه " ) أي : من شعره قطرات نورانية ( " مثل الجمان " ) : بضم الجيم وتخفيف الميم وتشدد ، حب يتخذ من الفضة ، ( " كاللؤلؤ " ) أي : في الصفاء والبياض ، ففي النهاية الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم يتخذ من الفضة على هيئة اللآلئ الكبار . قال الطيبي - رحمه الله : شبهه بالجمان في الكبر ، ثم شبه الجمان باللؤلؤ في الصفاء والحسن ، فالوجه أن يكون الوجه الكبر مع الصفاء والحسن ، وفي القاموس : الجمان كغراب اللؤلؤ أو هنوات أشكال اللؤلؤ ، وقال شارح : الجمان بتشديد الميم ، وقال ابن الملك : بالتشديد اللؤلؤ الصغار ، وبتخفيفها حب يتخذ من الفضة ، وقيل : المراد بالجمان في صفة عيسى - عليه الصلاة والسلام - هو الحب المتخذ من الفضة . قلت : بل هو المتعين بقوله كاللؤلؤ ، ( " فلا يحل ) : بكسر الحاء أي : لا يمكن ولا يقع ( لكافر أن يجد من ريح نفسه ) : بفتح الفاء ( إلا مات " ) ، كذا ذكره النووي . وقال القاضي : معناه عندي حق واجب . قال : ورواه بعضهم بضم الحاء وهو وهم وغلط .

قال الطيبي - رحمه الله : معناه لا يحصل ولا يحق أن يجد من ريح نفسه وله حال من الأحوال إلا حال الموت ، فقوله : يجد مع ما في سياقه فاعل يحل على تقدير أن ( ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ) : بسكون الراء أي لحظه ولمحه ، ويجوز كون الدجال مستثنى من هذا الحكم لحكمة إراءة دمه في الحربة ; ليزداد كونه ساحرا في قلوب المؤمنين ، ويجوز كون هذه الكرامة لعيسى أولا حين نزوله ، ثم تكون زائلة حين يرى الدجال ; إذ دوام الكرامة ليس بلازم ، وقيل : نفس الذي يموت الكافر هو النفس المقصود به إهلاك كافر ، لا النفس المعتاد ، فعدم موت الدجال لعدم النفس المراد ، وقيل : المفهوم منه أن من وجد من نفس عيسى من الكفار يموت ، ولا يفهم منه أن يكون ذلك أو وصول نفسه ، فيجوز أن يحصل ذلك بهم بعد أن يريهم عيسى - عليه الصلاة والسلام - دم الدجال في حربته للحكمة المذكورة ، كذا بخط شيخنا المرحوم مولانا عبد الله السندي ، رحمه الله تعالى .

ثم من الغريب أن نفس عيسى - عليه الصلاة والسلام - تعلق به الإحياء لبعض ، والإماتة لبعض ، ( فيطلبه ) أي : يطلب عيسى - عليه الصلاة والسلام - الدجال ( " حتى يدركه بباب لد ) : بضم لام وتشديد دال مصروف اسم جبل بالشام ، وقيل قرية من قرى بيت المقدس ، وعليه اقتصر النووي ، وزاد غيره سمي به لكثرة شجره . وقال السيوطي - رحمه الله - في شرح الترمذي : هو على ما في النهاية موضع بالشام ، وقيل بفلسطين ، ( فيقتله " ) ، في الجامع : رواه الترمذي ، وكذا أحمد ، وعن مجمع بن جارية : يقتل ابن مريم الدجال بباب لد ، ( ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه " ) ، أي : حفظهم من شر الدجال ( " فيمسح عن وجوههم " ) أي : يزيل عنها ما أصابها من غبار سفر الغزو مبالغة في إكرامهم ، أو المعنى يكشف ما نزل بهم من آثار الكآبة والحزن على وجوههم بما يسرهم من خبره بقتل الدجال ، ( ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ) ، قال النووي - رحمه الله : وهذا المسح يحتمل أن يكون على ظاهره فيمسح وجوههم تبركا ، أو أنه إشارة إلى كشف ما يكون فيه من الشدة والخوف ، ( " فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : أني " ) : بفتح الهمزة ويكسر ( قد أخرجت عبادا لي ) أي : أظهرت جماعة منقادة لقضائي وقدري ( " لا يدان " ) أي : لا قدرة ولا طاقة ( لأحد بقتالهم " ) ، وإنما عبر عن الطاقة [ ص: 3463 ] باليد ; لأن المباشرة والمدافعة إنما تكون باليد ، وثنى مبالغة ، كأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه ، ويمكن أن يكون في التثنية إيماء إلى العجز عنهما جميعا ، ( فحرز عبادي " ) أي : من التحريز ، مأخوذ من الحرز ، أي : احفظهم وضمهم ( " إلى الطور " ) ، واجعله لهم حرزا ، ( ويبعث الله يأجوج ومأجوج ) : بالألف ويبدل فيهما ( وهم ) أي : جميع القبيلتين ، لقوله تعالى : هذان خصمان اختصموا ، من كل حدب : بفتحتين أي : مكان مرتفع من الأرض ، ينسلون بفتح الياء وكسر السين أي : يسرعون . ( " فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية " ) بالإضافة ، وبحيرة تصغير بحرة ، وهي ماء مجتمع بالشام طوله عشرة أميال ، وطبرية بفتحتين اسم موضع . وقال شارح : هي قصبة الأردن بالشام ، ( " فيشربون ما فيها " ) أي : من الماء ، ( " ويمر آخرهم فيقول " ) أي : آخرهم أو قائل منهم ( " لقد كان بهذه " ) أي : البحيرة أو البقعة ( " مرة " ) أي : وقتا ( " ماء " ) ، أي : ماء كثير ، ( " ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر " ) : بفتح الخاء المعجمة والميم وبالراء الشجر الملتف ، وفسر الحديث بقوله : ( وهو جبل بيت المقدس " ) ; لكثرة شجره ، أو هو كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره ، كذا في النهاية . ( " فيقولون لقد قتلنا من في الأرض " ) ، أي : من ظهر على وجهها ; لما سيأتي من استثناء عيسى - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه ; حيث كانوا محصورين محصونين ( " هلم " ) أي : تعال ، الخطاب لأميرهم وكبيرهم ، أو عام غير مخصوص بأحدهم ، وفي النهاية : فيه لغتان ، فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح ، وبنو تميم تثني وتجمع وتؤنث تقول : هلم وهلمي وهلما وهلموا . ( " فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم " ) : بضم فتشديد مفرده نشابة والباء زائدة أي : سهامهم ( إلى السماء " ) أي : إلى جهتها ، ( " فرد الله عليهم نشابهم مخضوبة " ) أي : مصبوغة ( " دما " ) : تمييز ، وهذا مكر واستدراج منه سبحانه ، مع احتمال إصابة سهامهم لبعض الطيور في السماء ; فيكون فيه إشارة إلى إحاطة فسادهم بالسفليات والعلويات ، ( " ويحصر ) : بصيغة المفعول أي : يحبس في جبل الطور ( نبي الله " ) أي : عيسى - عليه الصلاة والسلام - ( " وأصحابه ) أي : من مؤمني هذه الأمة ، ( " حتى يكون ) أي : يصير من شدة المحاصرة والمضايقة ( " رأس الثور " ) أي : البقر مع كمال رخصه في تلك الديار ( " لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم " ) ، قال التوربشتي رحمه الله : أي تبلغ بهم الفاقة إلى هذا الحد ، وإنما ذكر رأس الثور ليقاس البقية عليه في القيمة ، ( " فيرغب " ) أي : إلى الله أو يدعو ( " نبي الله " ) : فيه تنبيه نبيه على أنه مع متابعته شريعة محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - باق على نبوته ( " عيسى وأصحابه " ) ، قال القاضي : أي يرغبون إلى الله تعالى في إهلاكهم وإنجائهم عن مكابدة بلائهم ، ويتضرعون إليه ; فيستجيب الله فيهلكهم بالنغف كما قال : ( " فيرسل الله عليهم " ) أي : على يأجوج ومأجوج ( النغف ) : بفتح النون والغين المعجمة دود يكون في أنوف الإبل والغنم ، ( " في رقابهم فيصبحون فرسى ) : كهلكى وزنا ومعنى ، وهو جمع فريس كقتيل وقتلى ، من فرس الذئب الشاة إذا كسرها وقتلها ، ومنه فريسة الأسد ، ( " كموت نفس واحدة " ) ; لكمال القدرة وتعلق المشيئة . قال تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ، قال التوربشتي - رحمه الله : يريد أن القهر الإلهي الغالب على كل شيء يفرسهم دفعة واحدة ، فيصبحون قتلى ، وقد نبه بالكلمتين أعني النغف وفرسى على أنه سبحانه يهلكهم في أدنى ساعة بأهون شيء ، وهو النغف فيفرسهم فرس السبع فريسته بعد أن طارت نفرة البغي في رءوسهم ، فزعموا أنهم قتلوا من في السماء .

[ ص: 3464 ] ( " ثم يهبط " ) أي : ينزل من الطور ( " نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض " ) أي : في وجهها جميعا ، وهذا هو رجع العدول عن الضمير إلى الظاهر ، فاللام في الأولى للعهد ، وفي الثانية للاستغراق ; بدليل الاستثناء ، وبه يتبين أن القاعدة المعروفة أن المعرفة إذا أعيدت تكون عينا للأولى مبنية على غالب العادة ، أو حيث لا قرينة صارفة ، ( " موضع شبر إلا ملأه زهمهم " ) : بفتح الزاي والهاء وقد تضم الزاي ، وقال شارح هو بالضم ، وروي بالتحريك وتفسيره قوله : ( " ونتنهم " ) : بسكون التاء .

قال التوربشتي - رحمه الله : الزهم بالتحريك مصدر قولك زهمت يدي بالكسر من الزهومة ، فهي زهمة أي دسمة ، وعليه أكثر الروايات فيما أعلم ، وفيه من طريق المعنى وهن ، وضم الزاي مع فتح الهاء أصح معنى ، وهو جمع زهمة يعني بضم الزاي وسكون الهاء ، وهي الريح المنتنة . وقال شارح : هو أصح رواية ودراية ، ويوافقهما ما في القاموس ; حيث قال : الزهومة والزهمة بضمها ريح لحم سمين منتن ، والزهم بالضم الريح المنتنة ، وبالتحريك مصدر زهمت يدي كفرح ، فهي زهمة أي دسمة انتهى ، وقد يقال : أطلق المصدر وأريد به الوصف مبالغة كرجل عدل ، ( " فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله " ) ، في ضم أصحابه إليه إشارة إلى أن الهيئة الاجتماعية في الهمة الإطماعية لها تأثير بليغ في الإجابة الدعائية ، أو في ذكرهم إيماء إلى أنهم هم الباعث على الدعاء والتضرع إلى رب السماء ، ( " فيرسل الله طيرا كأعناق البخت " ) : بضم موحدة وسكون معجمة نوع من الإبل أي : طيرا أعناقها في الطول والكبر كأعناق البخت ، والطير جمع طائر ، وقد يقع على الواحد ; ولذا قال : ( " فتحملهم " ) أي : تلك الطير ( " فتطرحهم ) أي : فترميهم ( " حيث شاء الله ) أي : من البحار ، أو مما وراء معمورة الديار ، أو خلف جبال قاف ونحوها ، أو إلى عالم الإعدام والإفناء .

( وفي رواية : " تطرحهم بالنهبل " ) : بفتح النون وسكون الهاء وفتح الموحدة موضع ، وقيل : مكان ببيت المقدس ، وفيه أنه كيف يسعهم ، ولعل المراد به موضع بعضهم ، أو على طريق خرق العادة يسعهم ، وقيل : هو حيث تطلع الشمس ، وفي القاموس : نهبل : أسن ، وروى الترمذي في حديث الدجال : فتطرحهم بالنهبل ، وهو تصحيف والصواب بالميم . انتهى . ولم يذكر المهبل لا لفظا ولا معنى . ( " ويستوقد المسلمون من قسيهم " ) : بكسرتين فتشديد تحتية جمع قوس ، والضمير ليأجوج ومأجوج ( " ونشابهم " ) أي : سهامهم ( " وجعابهم " ) : بكسر الجيم جمع جعبة بالفتح وهي طرف النشاب ( " سبع سنين ، ثم يرسل الله مطرا " ) أي : عظيما ( " لا يكن " ) : بفتح الياء وضم الكاف وتشديد النون ، من كننت الشيء أي سترته وصنته عن الشمس ، وهي من أكننت الشيء بهذا المعنى ، والمفعول محذوف ، والجملة صفة مطرا ، أي : لا يستر ولا يصون شيئا ( " منه " ) أي : من ذلك المطر ( " بيت مدر " ) : بفتحتين أي تراب وحجر ( " ولا وبر " ) ، أي : صوف أو شعر ، والمراد تعميم بيوت أهل البدو والحضر . قال النووي رحمه الله : أي لا يمنع من نزول الماء بيت المدر وهو الطين الصلب .

وقال القاضي - رحمه الله : أي : لا يحول بينه وبين مكان ماء حائل ، بل يعم الأماكن كلها ، ( " فيغسل ) أي : المطر ( الأرض " ) أي : وجهها كلها ( " حتى يتركها كالزلفة " ) : بفتح الزاي واللام ويسكن وبالفاء ، وقيل : بالقاف وهي المرآة بكسر الميم ، وقيل : ما يتخذ لجمع الماء من المصنع ، والمراد أن الماء يعم جميع الأرض ; بحيث يرى الرائي وجهه فيه . قال النووي - رحمه الله : روي بفتح الزاي واللام وبالفاء وبالقاف ، وروي بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء ، وقال القاضي - رحمه الله : روي بالفاء والقاف وبفتح اللام وإسكانها وكلها صحيحة .

[ ص: 3465 ] قلت : الأصح وهو الذي عليه الأكثر بفتحتين والفاء ، واقتصر عليه القاموس في المعاني الآتية كلها ، والله تعالى أعلم . قال : واختلفوا في معناها ، فقال ثعلب وأبو زيد وآخر وفي معناه كالمرآة ، وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عباس أيضا : شبهها بالمرآة في صفائها ونظافتها ، وقيل : معناه كمصانع الماء أي الماء يستنقع فيها حتى تصير الأرض كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء . وقال أبو عبيدة : معناه الإجانة الخضراء ، وقيل : كالصحفة ، وقيل : كالروضة . ( ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي ) أي : إلى أهلك ( بركتك ) أي : سائر نعمك ( " فيومئذ تأكل العصابة ) : بكسر العين أي الجماعة ( من الرمانة " ) أي : ويشبعون منها ( ويستظلون بقحفها " ) : بكسر القاف أي بقشرها .

قال النووي - رحمه الله : هو مقعر قشرها شبهها بقحف الآدمي ، وهو الذي فوق الدماغ ، وقيل : هو ما انفلق من جمجمته وانفصل ، وقال شارح : أراد نصف قشرها الأعلى ، وهو في الأصل العظم المستدير فوق الدماغ ، وهو أيضا إناء من خشب على مثاله ، كأنه نصف صاع ، واستعير هنا لما يلي رأسها من القشر ( " ويبارك " ) : بصيغة المجهول أي : يوضع البركة والكثرة ( " في الرسل " ) : بكسر الراء وسكون السين أي اللبن ، ( حتى إن اللقحة " ) : بكسر اللام ويفتح أي : الناقة الحلوبة . قال النووي - رحمه الله : اللقحة بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان والكسر أشهر ، وهي القريبة العهد بالولادة . وقال في المختصر : من النوق وغيرها فقوله : ( من الإبل " ) بيانية ، ( " لتكفي " ) أي : اللقحة ، والمراد بها ( " الفئام ) : بهمز على زنة رجال والعامة تبدل الهمزة ياء أي : الجماعة ( " من الناس ) ، ولا واحد له من لفظه ، والمراد به ههنا أكثر من القبيلة ، كما أن القبيلة أكثر من الفخذ على ما سيأتي . وقال النووي - رحمه الله : القئام . بكسر القاف وبعدها همزة ممدودة هي الجماعة الكثيرة ، وهذا هو المشهور المعروف في اللغة ، ورواية الحديث بكسر الفاء وبالهمز . قال القاضي : ومنهم من لا يجيز الهمز بل يقوله بالياء . وقال في المشارق : وحكاه الخليل بفتح الفاء ، قال : وذكره صاحب العين غير مهموز ، وأدخله في حرف الياء ، وحكى الخطابي أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء وهو غلط فاحش . ( " واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس " ) ، قال القاضي عياض - رحمه الله : الفخذ هنا بسكون الخاء المعجمة لا غير جماعة من الأقارب ، وهم دون البطن ، والبطن دون القبيلة ، وأما الفخذ بمعنى العضو فبكسر الخاء وسكونها . ( " فبينا " ) : بلا ميم ( " هم " ) : مبتدأ خبره ( " كذلك " ) ، ونا : عوض عن المضاف إليه ، والعامل فيه قوله : ( " إذ بعث الله " ) : وإذ للمفاجأة أي : بين أوقات يتنعمون في طيب عيش وسعة أرسل عليهم فجأة ( " ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم " ) : بهمزة ممدودة جمع إبط ، ( فتقبض " ) أي : تلك الريح ( " روح كل مؤمن " ) : أسند الفعل إلى الريح مجازا ( " أو كل مسلم " ) .

قال النووي - رحمه الله : هكذا هو في جميع النسخ بالواو يعني كان الظاهر أن يكون بـ أو بالشك ، فإنه لا فرق بين المؤمن والمسلم عند أرباب الحق من أهل السنة والجماعة ، فالمقصود المبالغة في التعميم والتغاير باعتبار اختلاف الوصفين ، كما في التنزيل : تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ، وقوله سبحانه : إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، أو بناء على الفرق اللغوي بينهما من أن المراد بالمؤمن المصدق ، وبالمسلم المنقاد ، لكن لما كان أحدها لا ينفع بدون الآخر ، جعل الموصوف بهما واحدا ، وأطلق عليه كل واحد من الوصفين بطريق التساوي ، أو لكون أحدهما غالبا عليه في نفس الأمر ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 3466 ] قال الطيبي - رحمه الله : المراد بالتكرار هنا الاستيعاب أي : تقبض روح خيار الناس كلهم ( ويبقى شرار الناس ) : بكسر أوله جمع شر ( " يتهارجون " ) أي : يختلطون ( " فيها ) أي : في تلك الأزمنة أو في الأرض ( " تهارج الحمر " ) أي : كاختلاطها ، ويتسافدون ، وقيل : يتخاصمون ، فإن الأصل في الهرج القتل وسرعة عدو الفرس ، وهرج في حديثه أي خلط . قال النووي رحمه الله : أي يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون لذلك ، والهرج بإسكان الراء الجماع ، ويقال : هرج زوجته أي جامعها يهرجها بفتح الراء وضمها وكسرها . ( " فعليهم تقوم الساعة " ) أي : لا على غيرهم ، وسيأتي حديث : " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " . وفي رواية : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله " . ( رواه ) أي : الحديث بكماله ( مسلم إلا الرواية الثانية وهي ) أي : الرواية ، وفي نسخة وهو تذكيره لتذكير خبره وهو ( قوله : " تطرحهم بالنهبل " ، إلى قوله : " سبع سنين " رواها ) أي : تلك الرواية ( الترمذي ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية