صفحة جزء
5476 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يخرج الدجال ، فيتوجه قبله رجل من المؤمنين ، فيلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له : أين تعمد ؟ فيقول : أعمد إلى هذا الذي خرج ، قال : فيقولون له : أوما تؤمن بربنا ؟ فيقول : ما بربنا خفاء . فيقولون : اقتلوه . فيقول بعضهم لبعض : أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه " . قال : فينطلقون به إلى الدجال ، فإذا رآه المؤمن قال : يا أيها الناس ! هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " فيأمر الدجال به فيشج فيقول : خذوه وشجوه ، فيوسع ظهره وبطنه ضربا " قال : فيقول : " أما تؤمن بي ؟ " قال : " فيقول : أنت المسيح الكذاب " . قال : " فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه " . قال : ثم يمشي الدجال بين القطعتين ; ثم يقول له : قم ، فيستوي قائما ، ثم يقول له : أتؤمن بي ؟ يقول : ما ازددت إلا بصيرة " ) . قال : " ثم يقول : يا أيها الناس ! إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس " . قال : فيأخذه الدجال ليذبحه ، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا ، فلا يستطيع إليه سبيلا " . قال : " فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به ، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار ، وإنما ألقي في الجنة " . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين " . رواه مسلم .


5476 - ( وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : يخرج الدجال ، فيتوجه قبله " ) : بكسر قاف وفتح موحدة أي إلى جانبه ( " رجل " ) أي : عظيم ( من المؤمنين " ) ، قال أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الفقيه راوي صحيح مسلم ، يقال : إن هذا الرجل الخضر - عليه الصلاة والسلام - وكذا قال معمر ، وهذا يقتضي أن يكون الخضر حيا ، وقد اختلف العلماء في ذلك ، فالجمهور من الفقهاء والمحدثين وغيرهم وبعض الصوفية على أنه مات ، وذهب جمهور الصوفية وبعض الفقهاء وغيرهم إلى أنه حي ، قال النووي - رحمه الله : وهو الصحيح ، ذكره الشيخ الجزري . ( فيلقاه المسالح ) : بفتح الميم وكسر اللام جمع المسلحة ، وهم القوم ذوو السلاح يحفظون الثغور ( " مسالح الدجال " ) : مرفوع على الإبدال ، وفيه إشارة إلى أن اللام عوض المضاف إليه أو اللام للعهد . قال القاضي - رحمه الله : ولعل المراد به ههنا مقدمة جيشه ، وأصلها موضع السلاح ، ثم استعمل للثغر ; فإنه يعد فيه الأسلحة ، ثم للجند المترصدين ، ثم لمقدمة الجيش ، فإنهم من الجيش كأصحاب الثغور ممن وراءهم من المسلمين ، ( فيقولون له : أين تعمد ؟ ) بكسر الميم أي : تقصد ( " ويقول : أعمد إلى هذا الذي خرج ) أي : خرج عن الحق أو على الخلق ، أو ظهر بالباطل والإشارة للتحقير . ( فيقولون له : أوما تؤمن بربنا ) ؟ يعنون به الدجال حيث وجدوا عنده الجاه والمال ، ( فيقول ) أي : الرجل ( " ما بربنا ) أي : بربي وربكم ، ففيه تغليب ، أو ما بربنا معشر المؤمنين ( " خفاء " ) وما : نافية أي : ليس يخفى علينا صفات ربنا عن غيره لنعدل عنه إليه ، أو لنترك الاعتماد عليه .

ففي كل شيء له شاهد يدل على أنه واحد وأما ما عداه فآثار الحدوث عليه لائحة ، وأنواع النقصان فيه واضحة ، ومن أظهر الأدلة القطعية أن المخلوقية تنافي الربوبية ، والعبودية تناقض الألوهية ما للتراب ورب الأرباب ، كيف والعيوب الظاهرة فيه تشهد لمن له أدنى عقل ، كما لا يخفى ، وفيه إيماء إلى ما سبق من قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم : إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور " . قال الطيبي - رحمه الله : هذا تكذيب لهم ، وبيان لتمويههم وتلبيسهم إذ ما يؤمن بربنا ، كما قال - صلى الله تعالى عليه وسلم : " إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور " . ( فيقولون : اقتلوه . فيقول [ ص: 3467 ] بعضهم لبعض : أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا " ) أي : من قتلكم ( " أحدا دونه " ) أي : دون علمه وأمره وإذنه ( " فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن " ) أي : أبصر الدجال الرجل المؤمن وقد عرف علاماته ( قال ) : تذكيرا للأمة توهينا للغمة ( " يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ) أي : في أحاديثه أنه سيخرج في آخر الزمان .

( قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( " فيأمر الدجال به " ) أي : بضربه ( " فيشبح " ) : بتشديد الموحدة المفتوحة أي : يمد للضرب ( " فيقول " ) أي : الدجال ، تأكيدا وتغليظا وتشديدا ( " خذوه " ) أي : امسكوه أخذا شديدا ( " وشجوه " ) : بضم الشين المعجمة وتشديد الجيم أي : اكسروا رأسه ، وفي نسخة فشبحوه بفتح الشين وكسر الموحدة فحاء مهملة ، أي : مدوه على بطنه أو على قفاه ، يقال : تشبح الحرباء على العود ، أي : امتد ، وتشبيح الشيء جعله عريضا ( " فيوسع " ) : بسكون الواو وفتح السين ( ظهره وبطنه ضربا ) أي : يكثر الضرب على ظهره ، وبطنه ، ( قال : " فيقول " ) أي : الدجال ( " أما تؤمن بي " ) ؟ وفي نسخة : أوما تؤمن بي ؟ أي أتنكرني وألوهيتي وما تؤمن بي وبربوبيتي ؟ ( قال : " فيقول " ) أي : المؤمن ( " أنت المسيح الكذاب " ) أي : الذي يقتلك المسيح الصديق . ( قال : " فيؤمر به فيؤشر ) : بضم فسكون همز ويبدل واوا ففتح شين ، أي : فيقطع ( " بالمئشار " ) : بكسر الميم وسكون الهمز ويبدل ياء وبالنون في بعض النسخ ، وهو آلة النشر والقطع ( " من مفرقه " ) : بفتح الميم وكسر الراء ويفتح أي مبتدأ من فرق رأسه ( " حتى يفرق ) : بصيغة المجهول مخففا ويشدد أي : حتى يفصل بدنه قطعتين واقعتين ( " بين رجليه ) أي : في طرفي قدميه .

قال النووي - رحمه الله : قوله يشبح بشين معجمة ثم باء موحدة وحاء مهملة ، وكذا شجوه أي مدوه على بطنه ، وجاء أيضا شجوه بجيم مشددة من الشج وهو الجرح في الرأس ، ثم قال : وهذه الرواية أصح عندنا ، وقوله : فيؤشر ، الرواية فيه بالهمزة والمئشار بهمز بعد الميم وهو الأفصح ، ويجوز تخفيف الهمز فيهما ، فيجعل في الأول واوا ، وفي الثاني ياء ، ويجوز المنشار بالنون ، وعلى هذا يقال : نشرت الخشبة ، " ومفرقه " بكسر الراء وسطه يعني وسط فرقه أو وسط رأسه انتهى .

قال الجزري - رحمه الله : روي هذا الحديث على ثلاثة أوجه يشبح بمعجمة فموحدة فمهملة ، وشجوه بالجيم من الشج وهو الجرح في الرأس والوجه ، وثانيهما يشبح كالأول وشبحوه بالباء والحاء ، وثالثها فيشج وشجوه كلاهما بالجيم ، وهو الذي ذكره المؤلف ، والوجه الثاني هو الذي ذكره الحميدي ، وصححه القاضي عياض ، والأصح عند جماعة من أصحابنا الأول ، والله تعالى أعلم . وقال شارح : يقال : وشرت الخشبة بالميشار إذا نشرته بالمنشار ، وفي الحديث بالياء لا غير ; يدل عليه فيؤشر .

قلت : فيه بحث ; إذ قوله : فيؤشر يحتمل أن يكون بالهمز ، وأن يكون بواو مبدلة أو أصلية ، وكذا في الميشار يصح همزه وإبداله من همز أو من واو ، وهذا لا ينافي أن يكون بالهمز ، وأن يكون المنشار بالنون ، بناء على التفنن في العبارة ، مع أنه هو المشهور باعتبار اللغة على لسان العامة . وفي القاموس : أشر الخشب بالميشار شقه ، ونشر الخشب نحته ، ووشر الخشب بالميشار غير مهموز لغة في أشرها بالمنشار إذا نشرها . انتهى . وبه يعلم أن الأصل هو الهمز والواو لغة في الشق والنون خاص بمعنى النحت .

( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( " ثم يمشي الدجال بين القطعتين " ) أي : الشقتين من الرجل [ ص: 3467 ] تخييلا لتحقيق القتل ( " ثم يقول له : قم ، فيستوي قائما ، ثم يقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت " ) : بفتح الدال ، وقال شارح : بكسر الدال الأول على بناء المجهول . أقول : صحته موقوفة على إتيانه متعديا إلى مفعولين ، وظاهر ما في القاموس أنه لازم ; حيث قال : زاده الله خيرا فزاد وازداد ، حيث أشار إلى أن زاد لازم ومتعد ، وأن ازداد قاصر فقط حيث جعله مطاوعا ، نعم قوله تعالى : ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم صريح في أنه متعد إلى مفعول واحد ، وأما زاد فيجيء لازما ومتعديا إلى مفعول وإلى مفعولين ، كقوله تعالى : فزادهم إيمانا ، وقيل : نصب إيمانا على التمييز ، وحاصل المعنى ما زدت ( " فيك " ) أي : في معرفتك بفعلك هذا من القتل والإحياء ( " إلا بصيرة " ) أي : زيادة علم ويقين بأنك كاذب مموه ، ( " قال : ثم يقول " ) : المؤمن ( " يا أيها الناس ! إنه " ) أي : الشأن أو الدجال ( " لا يفعل " ) : مفعوله محذوف أي : لا يفعل ما فعل بي من القتل والإحياء - في الظاهر ( " بعدي " ) أي : بعد فعله بي ( " بأحد من الناس " ) ، وفي هذا إخبار عن سلب القدرة الاستدراجية عنه ، وتسلية الناس في الخوف منه ، ( قال : " فيأخذه الدجال ليذبحه ، فيجعل " ) : بضم أوله ، وفي نسخة بفتحه أي : فيجعل الله ( " ما بين رقبته إلى ترقوته " ) : بفتح التاء وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق ( " نحاسا ) أي : كالنحاس لا يعمل فيه السيف ، وفي شرح السنة قال معمر : بلغني أنه يجعل على حلقه صفحة نحاس ( " فلا يستطيع " ) أي : الدجال ( " إليه ) أي : إلى وصول قتله ، ولا يقدر على حصول مضرته ( " سبيلا " ) : تمييز أي : طريقا من التعرض ، ( قال : " فيأخذ " ) أي : الدجال ( " بيديه ورجليه فيقذف به " ) أي : يرمي بالمؤمن ويطرحه ( " في الهواء فيحسب الناس " ) : بكسر السين وفتحها أي فيظنون ( " أنما قذفه إلى النار " ) : في تأويل المصدر أي : قذفه إليها ، والأظهر ما اختاره الزمخشري من أن أنما بالفتح يفيد الحصر أيضا ، كما اجتمعا في قوله تعالى : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ، ويؤيده قوله : ( " وإنما ألقي " ) : بصيغة المجهول أي : أوقع ( " في الجنة " ) ، واللام للعهد أي : في بستان من بساتين الدنيا ، ويمكن أن يرميه في النار التي معه ، ويجعلها الله عليه جنة ، كما سبق بردا وسلاما على إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وتصير تلك النار روضة وجنة ، وعلى كل تقدير : فلم يحصل له موت على يده سوى ما تقدم ، وأما قول الراوي ( فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين " ) : فالمراد بها قتله الأول ، فتأمل ; فإنه موضع الزلل والخطل والوحل ، كما وقع فيه الطيبي - رحمه الله - بقوله : فيحسب الناس أن الدجال قذفه فيما يزعم أنه ناره ، وإنما ألقي في الجنة وهي دار البقاء ، يدل عليه قوله : هذا أعظم الناس شهادة ، ونحوه قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين أي يسرحون في ثمار الجنة . أقول : فهذا مناقض لقوله : إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس ، اللهم إلا أن يقال : المراد بقوله لا يفعل بعدي أي بعد قتلي ثانيا بأحد من الناس ، أي : غيري ، ولا يخفى بعده ، والله تعالى أعلم ، وسيأتي في حديث أبي سعيد ما يفيد تأييد ما اخترناه . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 3469 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية