صفحة جزء
5506 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا ، فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية ، وليتركن القلاص ، فلا يسعى عليها ، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد " رواه مسلم ، وفي رواية لهما قال : " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم ؟ " .


5506 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا " ) : وفي نسخة : عدلا وهو أبلغ ( فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية " ) أي : ليحكم بما ذكر ، ( " وليتركن القلاص " ) : بصيغة الفاعل ، وفي نسخة بالمفعول ، وهو الملائم لقوله : ( " فلا يسعى عليها " ) أي : لا يعمل على القلاص ، وهو بكسر القاف جمع القلوص بفتحها ، وهي الناقة الشابة على ما في النهاية . والمعنى أنه يترك العمل عليها استغناء عنها لكثرة غيرها ، أو معناه لا يأمر أحدا بأن يسعى على أخذها ، وتحصيلها للزكاة لعدم من يقبلها ، ففي النهاية أي : يترك زكاتها فلا يكون لها ساع ، وقيل : لا يكون معها راع يسعى ، ففي الصحاح : كل من ولي أمر قوم فهو ساع عليهم . وقال المظهر : يعني ليتركن عيسى - عليه الصلاة والسلام - إبل الصدقة ، ولا يأمر أحدا أن يسعى عليها ويأخذها ; لأنه لا يوجد من يقبلها لاستغناء الناس عنها والمراد بالسعي العمل .

قال الطيبي - رحمه الله : ويجوز أن يكون ذلك كناية عن ترك التجارات ، والضرب في الأرض لطلب المال ، وتحصيل ما يحتاج إليه لاستغنائهم ( " ولتذهبن " ) أي : ولتزولن ( " الشحناء " ) : بفتح أوله : أي العداوة التي تشحن القلب وتملؤه من الغضب ( " والتباغض " ) أي : الذي هو سبب العداوة ( " والتحاسد " ) أي : الذي هو باعث التباغض ، وكلها نتيجة حب الدنيا ، فتزول كل هذه العيوب بزوال محبة الدنيا عن القلوب . وقال الأشرف : بهما تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد يومئذ ; لأن جميع الخلق يكونون يومئذ على ملة واحدة ، وهي الإسلام ، وأعلى أسباب التباغض وأكثرها هو اختلاف الأديان . قلت : اليوم كثير من البلدان متفقون على ملة الإسلام ، وفيهم علماء الأعلام ومشايخ الكرام ، مع كثرة التباغض والتحاسد والعداوة بل المقاتلة والمحاربة بين الحكام ، وليس السبب والباعث عليها إلا حب الجاه بين الأنام ، والميل إلى المال الحرام . ( " وليدعون " ) : ضبط في نسخة بضم الواو ، ونسب إلى النووي - رحمه الله تعالى - ولا وجه له ، فالصواب ما في الأصول المعتمدة من أنه بفتح الواو وتشديد النون ، وفاعله ضمير عيسى - عليه الصلاة والسلام - والمعنى ليدعون الناس ( " إلى المال " ) أي : أخذه وقبوله ( " فلا يقبله أحد " ) :

[ ص: 3495 ] أي : استغناء بعطاء الأحد ( رواه مسلم ، وفي رواية لهما ) أي : لمسلم والبخاري بقرينة ذكر مسلم ، فإن الغالب أن يكون قرينا له ، فيه نوع تغليب للحاضر على الغائب . ( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم : ( " كيف أنتم " ) أي : حالكم ومآلكم ( " إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم " ) ؟ أي : من أهل دينكم ، وقيل من قريش وهو المهدي ، والحاصل أن إمامكم واحد منكم دون عيسى ، فإنه بمنزلة الخليفة ، وقيل : فيه دليل على أن عيسى - عليه الصلاة والسلام - لا يكون من أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - بل مقررا لملته ومعينا لأمته - عليهما السلام .

وفى شرح السنة قال معمر : وإنكم وإمامكم منكم ، وقال ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب : فإمامكم منكم ، قال ابن أبي ذئب في معناه : فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم .

قال الطيبي - رحمه الله : فالضمير في إمامكم لعيسى ، ومنكم حال ، أي : يؤمكم عيسى حال كونه من دينكم ، ويحتمل أن يكون معنى إمامكم منكم كيف حالكم وأنتم مكرمون عند الله تعالى ، والحال أن عيسى ينزل فيكم وإمامكم منكم ، وعيسى يقتدي بإمامكم تكرمة لدينكم ، ويشهد له الحديث الآتي اهـ . وسيأتي بقية الكلام عليه فيه ، وهو قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية