صفحة جزء
5554 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ، فقال : ( هل تدرون مما أضحك ) ؟ . قال : قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : ( من مخاطبة العبد ربه ، يقول يا رب ! ألم تجرني من الظلم ) ؟ قال : يقول : بلى . قال : ( فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني ) . قال : فيقول : ( كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا ) . قال : ( فيختم على فيه ، فيقال لأركانه : انطقي ) قال : فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام . قال : فيقول : بعدا لكن وسحقا ، فعنكن كنت أناضل . رواه مسلم .


5554 - ( وعن أنس قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ، فقال : هل تدرون مما أضحك ) ؟ فيه إيماء إلى أنه لا ينبغي الضحك إلا لأمر غريب وحكم عجيب ( قال ) أي : جابر ( قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : من مخاطبة العبد ربه ، يقول : يا رب ! ألم تجرني ) : من الإجارة أي ألم تجعلني في إجارة منك بقولك : وما ربك بظلام للعبيد ( من الظلم ) ؟ والمعنى ألم تؤمني من أن تظلم علي . ( قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( يقول ) أي : الله تعالى في جواب العبد ( بلى ) قال : ( فيقول فإني ) أي : فإذا أجرتني من الظلم فإني ( لا أجيز ) : بالزاي المعجمة أي : لا أجوز ولا أقبل ( على نفسي إلا شاهدا مني ) أي : من جنسي ; لأن الملائكة شهدوا علينا بالفساد قبل الإيجاد .

( قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا ) : نصبه على الحال وعليك معموله تقدم عليه للاهتمام والاختصاص ، والباء زائدة في فاعل كفى ، واليوم ظرف له أو لشهيد ( وبالكرام ) أي : وكفى بالعدول المكرمين ( الكاتبين ) أي : لصحف الأعمال ( شهودا ) . قال الطيبي - رحمه الله : فإذا قلت : دل أداة الحصر على أن لا يشهد عليه غيره ، فكيف أجاب بقوله : كفى بنفسك وبالكرام الكاتبين ؟ قلت : بذل مطلوبه وزاد عليه تأكيدا وتقريرا ( قال : فيختم ) : بصيغة المجهول ( على فيه ) أي : فمه ، ومنه قوله تعالى : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، وفي آية أخرى : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، وفي آية أخرى : شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ، وهذا معنى قوله : ( فيقال لأركانه ) أي : لأعضائه وأجزائه ( انطقي ) . قال : ( فتنطق ) أي : الأركان ( بأعماله ) أي : بأفعاله التي باشرها وارتكبها بسببها ، ( ثم يخلى ) أي : يترك ( بينه وبين الكلام ) أي : يرفع الختم من فيه ; حتى يتكلم بالكلام العادي ، فشهادة ألسنتهم في الآية يراد بها نوع آخر من الكلام على خرق العادة ، والله تعالى أعلم به .

( قال : فيقول ) أي : العبد ( بعدا لكن وسحقا ) : بضم فسكون أي هلاكا ، وهما مصدران ناصبهما مقدر ، والخطاب للأركان أي : ابعدن واسحقن ( فعنكن ) أي : عن قبلكن ومن جهتكن ولأجل خلاصكن ، ( كنت أناضل ) أي : أجادل وأخاصم وأدافع على ما في النهاية . وقال شارح : أي أخاصم لخلاصكن ، وأنتن تلقين أنفسكن فيها ، والمناضلة المراماة بالسهام ، والمراد هنا المحاجة بالكلام ، يقال : تناضل فلان عن فلان إذا تكلم عنه بعذر ودفع . قلت : وجوابهن محذوف دل عليه قوله تعالى : وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين . ( رواه مسلم ) . وأخرج أبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن سعيد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم ، فيقال : هؤلاء جيرانك يشهدون عليك . فيقول : كذبوا ، فيقال : أهلك وعشرتك ؟ فيقول : كذبوا ، فيقال : احلفوا فيحلفون ، ثم يصمتهم الله وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ثم يدخلهم النار " .

[ ص: 3528 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية