صفحة جزء
5573 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض ، فيأتون آدم فيقولون : اشفع إلى ربك . فيقول : لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن ، فيأتون إبراهيم ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله ، فيأتون موسى - عليه السلام - فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته ، فيأتون عيسى ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بمحمد ، فيأتوني فأقول : أنا لها فأستأذن على ربي ، فيؤذن لي ، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن ، فأحمده بتلك المحامد ، وأخر له ساجدا ، فيقال يا محمد ! ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول يا رب ! أمتي أمتي . فيقال : انطلق ، فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ! ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ! أمتي أمتي . فيقال : انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ! ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ! أمتي أمتي ، فيقال : انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردلة من إيمان ، فأخرجه من النار ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ! ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ! ائذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله . قال : ليس ذلك لك ، ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال : لا إله إلا الله . متفق عليه .


5573 - ( وعنه ) أي : عن أنس ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة ماج ) أي : اختلط واضطرب ( الناس بعضهم في بعض ) أي : داخلين فيهم أي مقبلين مدبرين متحيرين فيما بينهم ( فيأتون آدم ) - عليه السلام - ( فيقولون اشفع ) أي : لنا ( إلى ربك ) ; ليأمر بالحساب ، ثم يجازي بالثواب أو العقاب ( فيقول : لست لها ) أي : لست كائنا للشفاعة ولا مختصا بها . قال الطيبي - رحمه الله : اللام فيه مثلها في قوله تعالى : ( امتحن الله قلوبهم للتقوى ) الكشاف : اللام متعلقة بمحذوف واللام هي التي في قوله : أنت لهذا الأمر ، أي : كائن له ومختص به ، قال :

أنت لها أحمد من بين البشر

وفي قوله : أنا لها ، وقوله : ليس ذلك لك ، ( ولكن عليكم بإبراهيم ) أي : الزموه فالباء زائدة ، أو المعنى تشفعوا وتوسلوا به ; ( فإنه خليل الرحمن ، فيأتون إبراهيم ، فيقول ) أي : بعد قولهم اشفع إلى ربك ، فاختصر للعلم به ، أو قبل أن يذكروا هذا الأمر بناء على كشف القضية عنه ، ( لست لها ، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله ) أي : ويناسبه الكلام في مرام هذه المقام ( فيأتون موسى - عليه السلام - فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته ) أي : فإنه روحه مستطابة ، وكلمته مستجابة ( فيأتون عيسى ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم بمحمد ) - عليه السلام - أي : فإنه خاتم النبيين وسيد المرسلين ( فيأتون ) : بتشديد النون ويخفف ( فأقول : أنا لها فأستأذن على ربي ) أي : على كلامه أو على دخول داره ( فيؤذن لي ، ويلهمني محامد أحمده بها ) أي : حينئذ ( لا تحضرني الآن ، فأحمده بتلك المحامد ) : وهي جمع حمد على غير قياس كمحاسن جمع حسن أو جمع محمدة ( وأخر ) : بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء أي : أسقط ( له ) أي : لله تعالى أو لشكره ( ساجدا ) : حال ( فيقول : يا محمد ارفع رأسك ، [ ص: 3544 ] وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول ) أي : بعد رفع الرأس ، أو في حال السجود ( يا رب أمتي أمتي ) أي : ارحمهم واغفر لهم يوم القيامة ، وتفضل عليهم بالكرامة ، وكرره للتأكيد ، أو أريد بهم السابقون واللاحقون ، ( فيقال : انطلق ) أي : اذهب ( فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة ) أي : وزنها . قال النووي - رحمه الله : والله تعالى أعلم بقدرها ، ( من إيمان ) ، ثم المثقال ما يوزن به ، من الثقل بفتحتين وهو اسم لكل سنج ، واختلف العلماء في تأويله حسب اختلافهم في أصل الإيمان ، والتأويل المستقيم هو أن يراد بالأمر المقدر بالشعير والذرة ، والحبة والخردلة ، غير الشيء الذي هو حقيقة إيمان من الخيرات ، وهو ما يوجد في القلوب من ثمرات الإيمان ، ولمحات الإيقان ، ولمعان العرفان ; لأن حقيقة الإيمان الذي هو التصديق الخاص القلبي ، وكذا الإقرار المقرر اللساني لا يدخلها التجزيء والتبعيض ، ولا الزيادة ولا النقصان على ما عليه المحققون ، وحملوا ما قاله غيرهم على الاختلاف اللفظي والنزاع الصوري ، ( فأنطلق ) أي : فأذهب ( فأفعل ) أي : ما أذن لي بالإخراج ممن عين وبين لي ( ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ! أمتي أمتي ، فيقال : انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة ) : وهي أقل الأشياء الموزونة ، وقيل : هي الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس كرءوس الإبر ، وقيل النملة الصغيرة ( أو خردلة من إيمان ) : يحتمل أن يكون أو للتخيير أو للتنويع أو الشك ( فأنطلق فأفعل ، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ! أمتي أمتي ، فيقال : انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردلة من إيمان ) : وكرر أدنى ثلاثا للمبالغة في القلة ( فأخرجه من النار ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ائذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله ) أي : ولو في عمره مرة بعد إقراره السابق ; فإنه من جلة عمله اللاحق ، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ; ولإطلاق حديث : ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) ، فإنه يشمل دخوله أولا وآخرا .

قال الطيبي - رحمه الله : هذا يؤذن بأن ما قدر قبل ذلك بمثقال شعيرة ، ثم بمثقال حبة أو خردل ، غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق ، وهو ما يوجد في القلوب من ثمرة الإيمان ، وهو على وجهين : أن يراد بالثمرة ازدياد اليقين ، وطمأنينة النفس ; لأن ظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقوته ، وأن يراد بها العمل ، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل ، وينصر هذا الوجه حديث أبي سعيد بعد هذا ، يعني قوله : ( ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط ) .

( قال ) أي : الله تعالى ( ليس ذلك لك ، ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ) ، قال القاضي - رحمه الله : ليس هذا لك ، وإنما أفعل ذلك تعظيما لاسمي وإجلالا لتوحيدي ، وهو مخصوص بعموم قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - في حديث أبي هريرة : ( أسعد الناس بشفاعتي ) الحديث على ما سيأتي ، ويحتمل أن يجرى على عمومه ، ويحمل على حال ومقام آخر . قال الطيبي - رحمه الله : إذا فسرنا ما يختص بالله تعالى بالتصديق المجرد عن الثمرة ، وذكرنا أن ما يختص به رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل ; فلا اختلاف . وقال شارح من علمائنا المحققين : المعنى ليس إخراج من قال : لا إله إلا الله من النار لك ، أي : إليك ، يعني مفوضا إليك ، وإن كان لك فيهم مكان شفاعة ، أو لسنا نفعل ذلك لأجلك ، بل لأنا أحقاء بأنا نفعله كرما وتفضلا ، ثم إنه بين بهذا الحديث أن الأمر في إخراج من لم يعمل خيرا قط من النار خارج عن حد الشفاعة ، بل هو منسوب إلى محض الكرام ، موكل إليه ، والتوفيق بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة : أسعد الناس إلخ ، أما على الأول فظاهر ; لأنه أخرجهم الله بشفاعته - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأما على المعنى الثاني ، فهو أن المراد بمن قال : لا إله إلا الله في الحديث الأول هم الأمم الذين آمنوا بأنبيائهم لكنهم استوجبوا النار ، وفي الثاني هم من أمته - صلى الله تعالى عليه وسلم - ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا . ( متفق عليه ) .

[ ص: 3545 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية