صفحة جزء
الفصل الثالث

5659 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنى أراه " رواه مسلم .


الفصل الثالث

5659 - ( عن أبي ذر قال : سألت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : هل رأيت ربك ؟ أي في ليلة المعراج ( قال : " نور ) أي هو نور عظيم ، والمراد أنه نور الأنوار ، ومنه قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض أي منورها ومظهر أنوار ما فيهما من الشمس والقمر والكواكب وأمثال ذلك . ومن أسمائه النور ، وهو الذي ظاهر بنفسه ، ومظهر لغيره على ما ذكره المحققون ( أنى ) بفتح الهمزة وتشديد النون على ما في أكثر النسخ ، أي كيف ( أراه ) أي أبصره ، فإن كمال النور يمنع الإدراك ، وفي بعض النسخ نوراني بتشديد الياء للنسبة لزيادة الألف والنون للمبالغة كالرباني ، وحينئذ قوله : أراه بمعنى أظنه من الرؤية بمعنى الرأي ، فلو قرئ بضم الهمزة لكان أظهر في هذا المعنى ، ويمكن أن يكون بمعنى أبصره إيماء إلى أنه ما رآه في الدنيا ، وسيراه في الأخرى ، أو مراده أبصرته ، والعدول إلى الاستقبال لحكاية الحال الماضية ، فكأنه يستحضره ويتلذذ به . قال ابن الملك : اختلف في رؤيته في تلك الليلة ، وفي الحديث دليل للفريقين على اختلاف الروايتين ؛ لأنه روي بفتح الهمزة وتشديد النون المفتوحة ، فيكون استفهاما على سبيل الإنكار . وروي بكسر النون ، فيكون دليلا للمثبتين ، ويكون حكاية عن الماضي بالحال ، انتهى .

وقال الإمام أحمد في قوله : نوراني أراه بتشديد النون . يعني على طريق الإيجاب . قال الطيبي - رحمه الله - : أراد ليس الاستفهام على معنى الإنكار المستفيد للنفي ، بل للتقرير المستلزم للإيجاب أي نور حيث أراه . قال النووي - رحمه الله - : وفي الرواية الأخرى : " رأيت نورا أنى " بفتح الهمزة وتشديد النون المفتوحة ، هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول ، ومعناه حجابه نور ، فكيف أراه ؟ قال الإمام المازري - رحمه الله - : معناه أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة ، فإن كمال النور يمنع الإدراك ، وروي " نوراني " منسوب إلى النور ، وما جاء من تسمية الله تعالى بالنور في مثل قوله سبحانه : الله نور السماوات والأرض وفي الأحاديث معناه ذو نور أو منورهما ، وقيل هادي أهلهما ، وقيل منور قلوب عباده المؤمنين . قلت : ويؤيده قوله : مثل نوره كمشكاة فيها مصباح . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 3605 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية