صفحة جزء
5702 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء أن يتركه ، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو ، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك " . رواه مسلم .


5702 - ( وعن أنس أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه ) أي في الجنة . قال التوربشتي - رحمه الله - : أرى هذا الحديث مشكلا جدا ، فقد ثبت بالكتاب والسنة أن آدم خلق من أجزاء الأرض ، وقد دل على أنه أدخل الجنة وهو بشر حي ، ويؤيده المفهوم من نص الكتاب : وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة قال شارح ، قيل : يحتمل أن تكون الكلمتان أعني في الجنة سهوا من بعض الرواة أخطأ سمعه فيهما .

قال القاضي - رحمه الله - : الأخبار متظاهرة على أنه تعالى خلق آدم من تراب قبض من وجه الأرض ، وخمر حتى صار طينا ، ثم تركه حتى صار صلصالا ، وكان ملقى بين مكة والطائف ببطن نعمان ، وهو من أودية عرفات ، ولكن ذلك لا ينافي تصويره في الجنة لجواز أن تكون طينته لما خمرت في الأرض وتركت فيها حتى مضت عليها الأطوار ، واستعدت لقبول الصورة الإنسانية حملت إلى الجنة وصورت ، ونفخ فيها الروح . وقوله تعالى : ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة لا دلالة له أصلا على أنه أدخل الجنة بعد ما نفخ فيه الروح ، إن المراد بالسكون الاستقرار والتمكن ، والأمر به لا يجب أن يكون قبل الحصول في الجنة ، كيف وقد تظاهرت الروايات على أن حواء خلقت من آدم في الجنة ، وهي أحد المأمورين ، ولعل آدم عليه الصلاة والسلام لما كانت مادته التي هي البدن من العالم السفلي ، وصورته التي بها يتميز عن سائر الحيوانات ويضاهي بها الملائكة من العالم العلوي أضاف الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - تكون مادته إلى الأرض ، لأنها نشأت منها ، وأضاف حصول صورته إلى الجنة لأنها وقعت فيها . ( فجعل إبليس ) أي فشرع من كمال تلبيسه ( يطيف به ) يضم حرف المضارعة .

قال النووي - رحمه الله - تعالى : طاف بالشيء يطوف طوفا وطوافا ، وأطاف به يطيف إذا استدار حوله ( ينظر ما هو ) استئناف بيان أو حال ، أي يتفكر في عاقبة أمره ، ويتأمل ماذا يظهر منه ، ( فلما رآه أجوف ) وهو من له جوف ( عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك ) أي لا يتقوى بعضه ببعض ، ولا قوة ولا ثبات ، بل يكون متزلزل الأمر ، متغير الحال ، متعرضا للآفات . والتمالك : التماسك . وقيل : المعنى لا يقدر على ضبط نفسه من المنع عن الشهوات ، وقيل : لا يملك دفع الوسواس عنه . وقيل : لا يملك نفسه عند الغضب .

وقال النووي - رحمه الله - : الأجوف في صفة الإنسان مقابل للصمد في صفة الباري ، قيل : السيد سمي بالصمد ؛ لأنه يصمد إليه في الحوائج ويقصد إليه في الركائب ، من صمدت الأمر إذا قصدته . وقيل : إنه المنزه عن أن يكون بصدد الحاجة أو في معرض الآفة ، مأخوذ من الصمد بمعنى المصمد ، وهو الذي لا جوف له ، فالإنسان مفتقر إلى الغير بقضاء حوائجه ، وإلى الطعام والشراب ليملأ جوفه ، فإذن لا تماسك له في شيء ظاهرا وباطنا . أقول : ولعل جنس الجن ليسوا على صفة الأجوفية ليتم الاستدلال بالهيئة المخصوصة الإنسانية . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية