صفحة جزء
5706 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن موسى كان رجلا حييا ستيرا ، لا يرى من جلده شيء استحياء ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا : ما تستر هذا التستر إلا من عيب بجلده : إما برص أو أدرة ، وإن الله أراد أن يبرئه ، فخلا يوما وحده يغتسل ، فوضع ثوبه على حجر ، ففر الحجر بثوبه فجمح موسى في إثره يقول : ثوبي يا حجر ! ثوبي يا حجر ! حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وقالوا : والله ما بموسى من بأس ، وأخذ ثوبه ، وطفق بالحجر ضربا ، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه " ثلاثا أو أربعا أو خمسا " . متفق عليه .


5706 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " إن موسى كان رجلا حييا " ) : بكسر التحتية الأولى وبتشديد الثانية على أنه فعيل أي مستحييا ( ستيرا ) ، بفتح السين وتخفيف الفوقية المكسورة . قال شارح أي : مستورا ، والظاهر أنه مبالغة ساتر ، ويدل عليه ما في نسخة من كسر السين والفوقية المشددة ، وكأن الشارح جعل قوله : " لا يرى من جلده شيء " : صفة كاشفة ، وليس بظاهر ، بل هو استئناف بيان لما يلزم من كونه كثير التستر ، وحاصله أنه كان من شأنه أن يستر جميع بدنه عند اغتساله ( استحياء ) ، أي من الناس ( فآذاه ، من آذاه ) : بالمد فيهما أي : من أراد إيذاءه ( من بني إسرائيل ، فقالوا ) : جمع باعتبار معنى من كما أفرد أولا بناء على لفظه ، ونحوه كثير في التنزيل أي فقال بعض المؤذين : ( ما تستر ) أي : موسى ( هذا التستر ) أي : البليغ ( إلا من عيب بجلده : إما برص أو أدرة ) ، بضم همزة وسكون دال مهملة نفخة بالخصية على ما في النهاية ( وإن الله أراد أن يبرئه ) ، بتشديد الراء أي ينزهه عن نسبة ذلك العيب ، ويثبت له الحياء من عالم الغيب ، وقد أشار إليه سبحانه بقوله : ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ثم اعلم أن قوله : وإن الله هو هكذا في النسخ المصححة بالواو ، وقال الطيبي - رحمه الله : الفاء في قوله : فإن الله للتعقيب ، وأصل الكلام فقالوا : كيت وكيت ، فأراد الله أن يبرئه ، وأتى بأن المؤكدة تأكيد اعتناء بشأنه ، ( فخلا يوما وحده ) أي : انفرد عن الناس وقتا ما حال كونه منفردا ( ليغتسل فوضع ثوبه على حجر ) أي : بجنب الماء ( ففر الحجر بثوبه ) ، الباء للتعدية أي : فأخذه فارا عن موسى ، ( فجمح موسى ) : بجيم وميم وحاء

[ ص: 3643 ] مفتوحات . أي : ذهب وأسرع إسراعا لا يرده شيء ، ومنه قوله تعالى : وهم يجمحون ( في أثره ) : بفتحتين وقد يكسر الهمز وتسكن المثلثة أي : في عقب الحجر ( يقول ) أي : بلسان المقال أو ببيان الحال ( ثوبي ) أي : أعطني ثوبي ( يا حجر ثوبي ) أي : مطلوبي ثوبي ( يا حجر والتكرار للتكثير ( حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل : والظاهر أن فيهم المؤذين ( فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ) : قال الطيبي - رحمه الله : عريانا حال . وكذا قوله : " أحسن " لأن الرؤية بمعنى النظر . ( وقالوا : والله ما بموسى من بأس ) ، أي ليس به عيب ما . ( وأخذ ثوبه وطفق ) أي : شرع ( بالحجر ضربا أي : بضربه ضربا ، فالجار متعلق بالفعل المقدر . كما في قوله سبحانه : فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( فوالله إن في الحجر لندبا من أثر ضربه ) : الندب بفتح النون والدال أي : أثرا وعلامة باقية من أثر ضربه ، وأصل الندب أثر الجرح ، إذا لم يرتفع عن الجلد ، فشبه به أثر الضرب بالحجر وقوله : ( ثلاثا أو أربعا أو خمسا ) . متعلق بالضرب أو الندب والشك من الراوي .

قال الطيبي - رحمه الله - قوله : ثلاثا أي ندبات . ثلاثا بيانا وتفسيرا لاسم إن ، وضربه هذا من أثر غضبه على الحجر لأجل فراره ، وقلة أدبه ، ولعله ذهل عن كونه مأمورا ، وكان ذلك في الكتاب مسطورا ، وفيه مأخذ العلماء الأنام على أن ضرر الخاص يتحمل لنفع العام ، والله تعالى أعلم بالمرام ، ثم قيل : إن موسى أمر بحمل الحجر معه إلى أن كان في التيه فضربه بعصاه مرة أو مرات ، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا .

قال النووي - رحمه الله : فيه معجزتان ظاهرتان لموسى عليه الصلاة والسلام . إحداهما مشي الحجر بثوبه ، والثانية حصول الندب في الحجر بضربه ، وفيه حصول التمييز في الجماد ، وفيه جواز الغسل عريانا في الخلوة ، وإن كان ستر العورة أفضل ، وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله ، وخالفهم ابن أبي ليلى وقال : إن للماء ساكنا . قلت : إمامنا الأعظم - رحمه الله - مع الجمهور ، وظاهر مخالفة ابن أبي ليلى في دخول الماء . قال : وفيه ابتلاء الأنبياء والصالحين من أذى السفهاء والجهالة وصبرهم عليه ، وفيه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عن النقائص في الخلق ، والخلق سالمون من العاهات والمعايب ، اللهم إلا على سبيل الابتلاء . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية