صفحة جزء
5708 - وعنه ، قال : استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود . فقال المسلم : والذي اصطفى محمدا على العالمين . فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين . فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي ، فذهب اليهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلم فسأله عن ذلك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأصعق معهم فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدرى كان فيمن صعق فأفاق قبلي ، أو كان فيمن استثنى الله ؟ " .

وفي رواية : " فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور ، أو بعث قبلي ؟ ولا أقول أن أحدا أفضل من يونس بن متى .


5708 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود ) ، بتشديد الموحدة افتعال من السب وهو الشتم ، والمعنى سب كل واحد منهما الآخر ، ( قال المسلم : والذي اصطفى محمدا على العالمين ) أي : جميعهم من خلف الأولين والآخرين ، والمحلوف عليه مقدر ( فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ) أي : عالمي زمانه ، لكن لما كان ظاهر كلامه المعارضة ، وحاصل مرامه المشاركة في الاصطفاء على الخلق من بين الأنبياء ، وخلاف ما عليه العلماء ، ولذا أنكر عليه ، ( فرفع المسلم يده عند ذلك ) أي : القول الموهم لخلاف الأدب ( فلطم وجه اليهودي ) ، أي ضربه بكفه كفا له وتأديبا ( فذهب اليهودي إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، فدعا النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم ) أي : المدعى عليه ( فسأله عن ذلك ) . أي الأمر ( فأخبره ) ، أي بمطابقة الخبر ( فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم : " لا تخيروني " ) : بضم التاء وتشديد الياء من التخيير بمعنى الاصطفاء ، والمعنى لا تجعلوني خيرا بمعنى لا تفضلوني ( على موسى ) أي : ونحوه من أصحاب النبوة تفضيلا يؤدي إلى إيهام المنقصة ، أو إلى تسبب الخصومة ، فإن أمر التفضيل ليس بقطعي على وجه التفضيل ، ( فإن الناس ) أي : جميعهم ( يصعقون ) : بفتح العين ( يوم القيامة ) أي : عند النفخة الأولى ( فأصعق معهم ) : من صعق الرجل إذا أصابه فزع فأغمي عليه ، وربما مات منه ، ثم يستعمل في الموت كثيرا ، لكن هذه الصعقة صعقة فزع قبل البعث لذكر الإفاقة بعده بقوله : ( فأكون أول من يفيق ) ، فإن الإفاقة إنما تستعمل في الغشي والبعث في الموت ( فإذا موسى باطش ) : قال شارح أي : قوي ، والظاهر أن معناه آخذ ( بجانب العرش ، فلا أدري كان ) أي : أكان ( فيمن صعق فأفاق قبلي ) ، أي لفضيلة اختص بها ( أو كان فيمن استثنى الله ) أي : في قوله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله والمعنى أو كان فيمن لم يصعق فله منقبة أيضا من هذه الجهة . قال العسقلاني : يعني فإن أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة ، وإن كان ممن استثناه الله تعالى فلم يصعق ، فهي أيضا فضيلة ، وإنما في النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن التفضيل بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من يقول ذلك من رأيه ، لا من يقوله بدليل ، أو من يقول بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول ، أو يجر إلى الخصومة ، أو المراد لا تفضلوني بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يبقى للمفضول فضيلة ، أو أراد النهي عن التفضيل في نفس النبوة ، فإنهم متساوون فيها ، وإنما التفاضل بخصائص وفضائل أخرى .

قال تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض و لقد فضلنا بعض النبيين على بعض ( وفي رواية : فلا أدري أحوسب ) أي : أجوزي ( بصعقة يوم الطور ) ، بإضافة المصدر إلى الظرف ، وفي نسخة بالضمائر أي : بصعقة نفسه في ذلك اليوم حيث قال تعالى : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ففي القاموس : صعق كسمع صعقا ويحرك ، وصعقة وتصاعقا ، فهو صعق ك " كنف " غشي عليه . ( أو بعث قبلي ) ؟ أي أفاق قبل إفاقتي بعدما شاركني في صعقتي ، فالبعث مجاز عن الإفاقة توفيقا بين الروايتين ( ولا أقول : إن أحدا ) أي : لا أنا ولا غيري من الأنبياء ( أفضل من يونس بن متى ) . بفتح الميم وتشديد المثناة الفوقية المقصورة قيل : هي اسم أم يونس على ما في ( جامع الأصول ) ثم قيل : إن أحدا استعمل في الإثبات لأن المعنى لا أفضل أحدا على يونس .

[ ص: 3645 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية