صفحة جزء
5709 - وفي رواية أبي سعيد رضي الله عنه ، قال : ( لا تخيروا بين الأنبياء ) . متفق عليه . وفي رواية أبي هريرة : " لا تفضلوا بين أنبياء الله " .


5709 - ( وفي رواية أبي سعيد قال : لا تخيروا ) أي : لا تفضلوا ( بين الأنبياء ) .

قال التوربشتي - رحمه الله - قوله : لا تخيروني على موسى أي لا تفضلوني عليه . أقول : قاله على سبيل التواضع أولا ، ثم ليردع الأمة عن التخيير بين أنبياء الله من تلقاء أنفسهم ثانيا ، فإن ذلك يفضي بهم إلى العصبية ، فينتهز الشيطان منهم عند ذلك فرصة يدعوهم إلى الإفراط والتفريط ، فيطرون الفاضل فوق حقه ، ويبخسون المفضول حقه ، فيقعون في مهواة الغي ، ولذا قال : لا تخيروا بين الأنبياء ، أي : لا تقدموا على ذلك بأهوائكم وآرائكم ، بل مما آتاكم الله من البيان ، وعلى هذا النحو قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " ولا أقول إن أحدا خير من يونس بن متى " أي : لا أقول من تلقاء نفسي ، ولا أفضل أحدا عليه من حيث النبوة والرسالة ، فإن شأنهما لا يختلف باختلاف الأشخاص ، بل نقول : كل من أكرم بالنبوة ، فإنهم سواء فيما جاءوا به عن الله ، وإن اختلفت مراتبهم ، وكذلك من أكرم بالرسالة ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه : لا نفرق بين أحد من رسله وإنما خص يونس عليه السلام بالذكر من بين الرسل لما قص الله عليه في كتابه من أمر يونس ، وتوليه عن قومه ، وضجرته عن تثبطهم في الإجابة ، وقلة الاحتمال عنهم والاحتفال بهم حين راموا التنصل فقال عز من قائل : ولا تكن كصاحب الحوت وقال : وهو مليم فلم يأمن - صلى الله تعالى عليه وسلم - أن يخامر بواطن الضعفاء من أمته ما يعود إلى نقيصة في حقه فنبأهم أن ذلك ليس بقادح فيما آتاه الله من فضله ، وأنه مع ما كان من شأنه كسائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وهذا قول جامع في بيان ما ورد في هذا الباب فافهم ترشد إلى الأقوم .

وأما ما ذكره في هذا الحديث من الصعقة فهي قبل البعث عند نفخة الفزع ، فأما في البعث ، فلا تقدم لأحد فيه على نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - واختصاص موسى عليه الصلاة والسلام هذه الفضيلة لا توجب له تقدما على من تقدمه بسوابق جمة ، وفضائل كثيرة ، والله المأمول أن يعرفنا حقوقهم ، ويحيينا على محبتهم ، ويميتنا على سنتهم ، ويحشرنا في زمرتهم ( متفق عليه ) . وفي رواية : " لا تفضلوا " ) : بالضاد المعجمة المكسورة على ما في أكثر النسخ أي : لا توقعوا التفضيل ( بين أنبياء الله ) ، أي : وكذا بين رسله على وجه الإزراء ببعض ، فإن ذلك يكون سببا لفساد الاعتقاد في بعض وذلك كفر ، وفي نسخة بالصاد وهو ظاهر أي : لا تفرقوا بينهم لقوله : لا نفرق بين أحد منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية