صفحة جزء
5711 - وعن أبي بن كعب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا " . متفق عليه .


5711 - ( وعن أبي بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " إن الغلام الذي قتله الخضر " ) : بفتح فكسر ، وفي نسخة بكسر فسكون .

قال النووي - رحمه الله : جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا ، سيما عند الصوفية ، وأهل الصلاح ، والمعرفة . وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به ، والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ، وحضوره في المواضع الشريفة ، ومواطن الخير أكثر من أن تحصى ، وصرح الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بذلك ، وشذ من أنكره من المحققين .

قال الحميري المفسر ، وأبو عمرو : هو نبي ، واختلفوا في كونه مرسلا . وقال القشيري ، وكثيرون : هو ولي واحتج من قال بنبوته بقوله : ما فعلته عن أمري ، فدل على أنه أوحي إليه ، وبأنه أعلم من موسى عليه الصلاة والسلام ، ويبعد أن يكون الولي أعلم من النبي . وأجاب الآخرون : بأنه يجوز أن يكون قد ألقي إليه بطريق الإلهام ، كما ألقي إلى أم موسى في قوله تعالى : إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه قلت : فيه أن الوحي إلى أم موسى فيما يتعلق بتدبير خلاص الطفل حالة الاضطرار في أمره ، وأما حمل أمر الغلام على الإلهام إلى الولي فغير صحيح ، إذ لا يصح لأحد من الأولياء أن يقتل نفسا زاكية بغير نفس اعتمادا على الوحي الإلهامي بأنه طبع كافرا ، وقد قال الثعلبي المفسر : الخضر نبي معمر محجوب عن أكثر الأبصار . قال ، وقيل : إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن .

قلت : وقد تقدم أنه يقتله الدجال ، ثم ذكر أقوالا أنه من زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أم بعده بقليل أو كثير ؟ قلت : ويروى أنه من أولاد آدم والله تعالى أعلم .

وفي ( الجامع الصغير ) : روى الحارث عن أنس : الخضر في البحر ، وإلياس في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان ويعتمران كل عام ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل . وفي ( الفتاوى الحديثية ) : رواه ابن عدي في الكامل : إن إلياس والخضر عليهما الصلاة والسلام يلتقيان في كل عام بالموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويفترقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ، بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله .

[ ص: 3647 ] ثم قوله : ( طبع كافرا ) أي : خلق الغلام على أنه يختار الكفر ، فلا ينافي خبر : " كل مولود يولد على الفطرة " إذ المراد بالفطرة استعداد قبول الإسلام ، وهو لا ينافي كونه شقيا في جبلته ، وقد روى ابن عدي في ( الكامل ) ، والطبراني في ( الكبير ) ، عن ابن مسعود مرفوعا : " خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا ، وخلق فرعون في بطن أمه كافرا " . وفي الحديث المشهور أن بعد نفخ الروح في كل مولود يكتب شقي أو سعيد ، وعلى طبقة يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ، وقد قال تعالى : أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهوائهم قال القاضي عياض - رحمه الله : في هذا حجة بينة لأهل السنة وصحة مذهبهم في أن العبد لا قدرة له على الفعل إلا بإرادة الله وتيسيره له ، خلافا للمعتزلة القائلين بأن للعبد فعلا من قبل نفسه ، وقدرة على الهدى والضلال ، وفيه أن الذين قضي لهم بالناس طبع على قلوبهم ، وختم عليها ، وجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ، أو حجابا مستورا ، وجعل في آذانهم وقرا ، وفي قلوبهم مرضا ، لتتم سابقته وتمضي كلمته ، لا راد لحكمه ولا معقب لأمره وقضائه وقد يحتج بهذا الحديث من يقول : إن أطفال الكفار في النار . قلت : الأولى التفصيل بأن من طبع منهم كافرا يكون في النار ، ومن ولد على الفطرة فهو في الجنة ، وبه يحصل الجمع بين أقوال الأئمة ، ويقارب القول بالتوقف الذي اختاره إمامنا الأعظم والله تعالى أعلم .

ويدل عليه قوله : ( ولو عاش ) أي : ذلك الغلام بأن أدرك الكبر ( لأرهق أبويه ) أي : لكلفهما ( طغيانا وكفرا ) أي : جعل سببا لإضلالهما ، فالحاصل أن علة قتله مركبة من كونه طبع كافرا ، وإنه لو فرض أنه عاش لكان مضلا فاجرا . قال النووي : ولما كان أبواه مؤمنين يكون هو مؤمنا . قلت : فكيف يجوز قتل المؤمن ؟ قال : فيجب تأويله بأن معناه والله سبحانه أعلم أن ذلك الغلام لو بلغ لكان كافرا ، ولو عاش لأرهق أبويه . أي : غشيهما طغيانا وكفرا . أي طغيانا عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه ، أو معناه حملهما أن يتبعاه فيطغيا .

قال ابن الملك ، فإن قلت : خوف كفر أحد في المآل لا يبيح قتله في الحال ، فكيف قتله الخضر من خوف كفر ؟ قلت : يجوز أن يكون ذلك في شرعهم . قلت : تقرير الله تعالى ، وتقريره موسى صريح في ذلك ، بل على جواز مثل ذلك في شرعنا لو علم قطعا أنه طبع كافرا ، كما قرره صاحب الشرع في هذا الحديث ، فبطل كون الغلام مؤمنا حينئذ ، إذ لا يجوز قتل المؤمن من غير جنح إجماعا في جميع الأديان . قال : أو نقول هذا علم لدني ، وله مشرب آخر غير المعهود في الظاهر ، فلا نشتغل بكيفيته . قلت : لا مخالفة بين الشريعة والحقيقة في أحكام الطريقة ، ومن فرق بينهما ممن لم يصل إلى مرتبة الجمع نسب إلى الزندقة ، ثم إن الأمر لا يخلو عن أحد شيئين : فإن الخضر إن كان من أهل النبوة ، فلا بد أن يكون عمله على وفق الشريعة ، وإن كان من أهل الولاية ، فليس له أن يعتمد على علمه اللدني ، وإلهامه الغيبي في مثل هذه القضية العظمى ، والبلية الكبرى ، ثم في الحديث بيان الحكمة في قتل الخضر ، وكأنه خرج موضع الاعتذار عنه تصريحا بخلاف ما في الآية من الإشارة إلى ذلك تلويحا . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية