صفحة جزء
5715 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت ليلة أسري بي موسى ، رجلا آدم طوالا ، جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال في آيات أراهن الله إياه ، فلا تكن في مرية من لقائه متفق عليه .


5715 - ( وعن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " رأيت ليلة أسري بي " ) : بالإضافة ، وفي نسخة بالتنوين أي : أبصرت في ليلة أسري بي فيها ( موسى رجلا ) أي : حال كونه على صورة رجل ( آدم ) أي : أسمر شديد السمرة على ما في النهاية ( طوالا ) ، بضم الطاء وتخفيف الواو أي : طويلا كعجاب مبالغة عجيب ، وأما بكسر الطاء فهو جمع طويل ، ( جعدا ) : هو ضد السبط فمعناه غير مسترسل الشعر ، ولعل انقباض شعره مما يشعر على حدة باطنه من غير شعوره ، ( كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق ) أي : متوسطا لا طويلا ولا قصيرا ولا سمينا ولا هزيلا ، وفيه إيماء إلى اعتدال مزاجه أيضا ، وقوله : ( إلى الحمرة والبياض ) ، حال أي : مائلا لونه إليهما ، فلم يكن شديد الحمرة والبياض ، بل كان بينهما من البياض المشرب بالحمرة ، كما كان نعت نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - على ما في الشمائل في الوصفين السابقين . ( سبط الرأس ) ، بكسر الباء وفتحها أيضا ، وقد تسكن ، ففي القاموس : السبط ويحرك وككتف نقيض الجعد ، والمعنى مسترسل شعر الرأس ، فهذا يدل على أنه غلب عليه صفة الجمال ، كما أنه غلب على موسى نعت الجلال ، ونبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما كان في مرتبة الكمال كان شعره أيضا . في السبوطة والجعودة في غاية من الاعتدال . ( ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال ) أي : ورأيت الدجال ( في آيات ) أي : مع علامات ( أراهن الله إياه ) ، أي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يعني : رأى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - الدجال مع آيات أخر أراهن الله النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وما حكاها . وقوله : في آيات أراهن الله إياه من كلام الراوي أدرجه في الحديث دفعا لاستبعاد السامعين ، وإماطة لما عسى أن يختلج في صدورهم ، ولو كان من قول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لقال : أراهن الله إياي ، كذا ذكره شارح ، والظاهر أن يكون الضمير راجعا إلى الدجال ، والمراد خوارق العادات التي قدرها الله سبحانه استدراجا للدجال ، وابتلاء للعباد على ما تقدم ، والله تعالى أعلم .

قال الطيبي - رحمه الله - قوله : في آيات أي : رأيت المذكور في جملة آيات ، ولعله أراد بها الآيات المذكورة في قوله تعالى : لقد رأى من آيات ربه الكبرى فعلى هذا في الكلام التفات حيث وضع إياه موضع إياي ، أو الراوي نقل معنى ما تلفظ به ، والظاهر أن قوله : ( فلا تكن في مرية من لقائه ) . متعلق بأول الكلام ، وهو حديث موسى عليه السلام تلميحا إلى ما في التنزيل من قوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه الكشاف ، قيل : من لقائك موسى عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء ، فيكون ذكر عيسى ، وما يتبعه من الآيات على سبيل التبعية والإدماج ، أي : لا تكن يا محمد في رؤية ما رأيت من الآيات في شك . فعلى هذا الخطاب في قوله : " فلا تكن " لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - والكلام كله متصل ليس فيه تغيير من الراوي إلا لفظ " إياه " ويشهد له قول الشيخ محيي الدين - رحمه الله - في شرح هذا الحديث : كان قتادة يفسرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعالى قد لقي موسى عليه الصلاة والسلام ، ووافقه عليه جماعة منهم : مجاهد ، والكلبي ، والسدي . ومعناه : فلا تكن في شك من لقائك موسى ، والشارحون ذهبوا إلى أن قوله : في آيات أراهن الله من كلام الراوي ألحقه بالحديث دفعا لاستبعاد السامعين ، وإماطة لما عسى يختلج في صدورهم . وقال المظهر : الخطاب في : فلا تكن خطاب عام لمن سمع هذا الحديث إلى يوم القيامة ، والضمير في لقائك عائد إلى الدجال ، أي : إذا كان خروجه موعودا ، فلا تكن في شك من لقائه ، وقال غيره : الضمير راجع إلى ما ذكر أي : فلا تكن في شك من رؤية ما ذكر من الآيات إلى يوم القيامة ( متفق عليه ) . وذكر السيوطي الحديث في الجامع الصغير إلى قوله : " ( و ) الدجال وقال : رواه أحمد ، والشيخان .

التالي السابق


الخدمات العلمية