صفحة جزء
5750 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين : الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة ، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا . رواه مسلم .


5750 - ( وعن ثوبان ) : وهو مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله زوى لي الأرض ) أي : جمعها لأجلي . قال التوربشتي : زويته جمعته وقبضته ، يريد به تقريب البعيد منها حتى اطلع عليه اطلاعه على القريب منها ، وحاصله أنه طوى له الأرض وجعلها مجموعة كهيئة كف في مرآة نظره ، ولذا قال :

[ ص: 3677 ] ( فرأيت مشارقها ومغاربها أي : جميعها ( وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها : قال الخطابي : توهم بعض الناس أن " من " في " منها " للتبعيض ، وليس ذلك كما توهمه ، بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة ، والتفصيل لا يناقض الجملة ، ومعناه أن الأرض زويت لي جملتها مرة واحدة فرأيت مشارقها ومغاربها ، ثم هي تفتح لأمتي جزءا فجزءا حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها . أقول : ولعل وجه من قال بالتبعيض هو أن ملك هذه الأمة ما بلغ جميع الأرض ، فالمراد بالأرض أرض الإسلام ، وإن ضمير منها راجع إليها على سبيل الاستخدام والله أعلم بالمرام . ( وأعطيت الكنزين : الأحمر والأبيض ) : بدلان مما قبلهما أي : كنز الذهب والفضة . قال التوربشتي : يريد بالأحمر والأبيض خزائن كسرى وقيصر ، وذلك أن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير ، والغالب على نقود ممالك قيصر الدراهم ( وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة ) أي : بقحط شائع لجميع بلاد المسلمين . قال الطيبي : السنة القحط والجدب ، وهي من الأسماء الغالبة ، ( وأن لا يسلط عليهم عدوا ) : وهم الكفار وقوله : ( من سوى أنفسهم ) : صفة عدوا أي : كائنا من سوى أنفسهم ، وإنما قيده بهذا القيد لما سأل أولا ذلك فمنع على ما يأتي في الحديث الآتي ( فيستبيح ) أي : العدو ، وهو مما يستوي فيه الجمع والمفرد ( بيضتهم ) : أراد بالبيضة أي : مجتمعهم موضع سلطانهم ، ومستقر دعوتهم ، وبيضة الدار أوسطها ومعظمها ، أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم ، وقيل : أراد إذا هلك أصل البيضة كان هلاك كلها فيه من طعم أو فرخ ، وإذا لم يهلك أصل البيضة ربما سلم بعض فراخها ، والنفي منصب على السبب والمسبب معا ، فيفهم منه أنه قد يسلط عليهم عدوا ، لكن لا يستأصل شأفتهم ، ( وإن ربي قال : يا محمد ! إني إذا قضيت قضاء ) أي : حكمت حكما مبرما ( فإنه لا يرد ) أي : بشيء بخلاف الحكم المعلق بشرط وجود شيء أو عدمه ، كما حقق في باب الدعاء ورد البلاء ، ( وإني أعطيتك ) أي : عهدي وميثاقي ( لأمتك ) أي : لأجل أمة إجابتك ( أن لا أهلكهم بسنة عامة ) أي : بحيث يعمهم القحط ويهلكهم بالكلية . قال الطيبي : اللام في أمتك هي التي في قوله سابقا : سألت ربي لأمتي ، أي : أعطيت سؤالك لدعائك لأمتك ، والكاف هو المفعول الأول ، وقوله : أن لا أهلكهم المفعول الثاني كما هو في قوله : سألت ربي أن لا يهلكها هو المفعول الثاني ، ( وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من ) أي : الذين هم ( بأقطارها ) أي : بأطرافها جمع قطر ، وهو الجانب والناحية ، والمعنى فلا يستبيح عدو من الكفار بيضتهم ، ولو اجتمع على محاربتهم من أطراف بيضتهم ، وجواب لو ما يدل عليه قوله : وأن لا أسلط ( حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي ) : كيرمي بالرفع عطف على يهلك أي : ويأسر ( بعضهم ) : بوضع الظاهر موضع المضمر ( بعضا ) أي : بعضا آخر . في نسخة بالنصب على أن يكون عطفا على يكون .

قال الطيبي : حتى . بمعنى كي أي : لكي يكون بعض أمتك يهلك بعضا ، فقوله : " إني إذا قضيت قضاء فلا يرد " توطئة لهذا المعنى ، ويدل عليه حديث خباب بن الأرت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إني سألت الله ثلاثا : فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها . قال المظهر : اعلم أن لله تعالى في خلقه قضاءين مبرما ومعلقا بفعل ، كما قال : إن فعل الشيء الفلاني كان كذا وكذا ، وإن لم يفعله فلا يكون كذا وكذا من قبيل ما يتوق إليه المحو والإثبات ، كما قال تعالى في محكم كتابه : يمحو الله ما يشاء ويثبت وأما القضاء المبرم ؟ فهو عبارة عما قدره سبحانه في الأزل من غير أن يعلقه بفعل ؟ فهو في الوقوع نافذ غاية النفاذ بحيث لا يتغير بحال ، ولا يتوقف على المقضي عليه ولا المقتضي له ، لأنه من علمه بما كان وما يكون وخلاف معلومه مستحيل قطعا ، وهذا من قبل ما لا يتطرق إليه المحو والإثبات . قال تعالى : لا معقب لحكمه وقال النبي عليه السلام : لا مرد لقضائه ولا مرد لحكمه . فقوله - صلى الله عليه وسلم - " إذا قضيت قضاء فلا يرد " من القبيل الثاني ولذلك لم يجب إليه ، وفيه أن الأنبياء مستجابو الدعوة إلا في مثل هذا . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 3678 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية