صفحة جزء
5757 - وعن العباس رضي الله عنه ، أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه سمع شيئا . فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال ( من أنا ؟ ) فقالوا : أنت رسول الله . فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا . رواه الترمذي .


5757 - ( وعن العباس أنه جاء ) أي : غضبان ( إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه سمع شيئا ) أي : من الطعن في نسبه أو حسبه ( فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ) أي : ليكون بيان أمره أظهر على رءوس المحضر ( فقال : من أنا ) ؟ استفهام تقرير على جهة التبكيت ( فقالوا : أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) . فلما كان قصده - صلى الله عليه وسلم - بيان نسبه وهم عدلوا على ذلك المعنى ، ولم يكن الكلام في ذلك المبنى ( قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ) ، يعني وهما معروفان عند العارف المنتسب . قال الطيبي قوله : فكأنه سمع مسبب عن محذوف أي : جاء العباس غضبان بسبب ما سمع طعنا من الكفار في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو قوله تعالى : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم كأنهم حقروا شأنه ، وأن هذا الأمر العظيم الشأن لا يليق إلا بمن هو عظيم من إحدى القريتين ، كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي مثلا ، فأقرهم - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التبكيت على ما يلزم تعظيمه وتفخيمه ، فإنه أولى بهذا الأمر من غيره ، لأن نسبه أعرف ، وأروميته أعلى وأشرف ، ومن ثم لما - قالوا أنت رسول الله ردهم بقوله : أنا محمد بن عبد الله ، ويعضد هذا التأويل ما روى البخاري عن أبي سفيان أنه حين سأله هرقل عظيم الروم عن نسبه - صلى الله عليه وسلم - فقال : هو فينا ذو نسب ، فقال هرقل : سألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، ألا ترى كيف جعل النسب ظرفا ل " تبعث " وأتى بفي أي : في النسب اه .

ثم استأنف في بيان ما رزقه الله من طهارة نسبه ونظافة حسبه عموما وخصوصا ، تحدثا بنعمته وترغيبا لأمته في أمر متابعته ( فقال : إن الله خلق الخلق ) أي : الجن والإنس ، وأبعد الطيبي وأدخل الملك معهم لقوله : ( فجعلني في خيرهم ) وهو الإنس ( ثم جعلهم ) أي : صير هذا الخير بمعنى الخيار أو الأخبار ( فرقتين ) أي : عربا وعجما ( فجعلني في خيرهم فرقة ) ، وهم العرب ( ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ) ، يعني قريشا ( ثم جعلهم بيوتا ) أي : بطونا ( فجعلني في خيرهم بيتا ) يعني بطن بني هاشم ( فأنا خيرهم نفسا ) أي : ذاتا وحسبا ( وخيرهم بيتا ) أي : بطنا ونسبا وإليه أشار تعالى بقوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم .

[ ص: 3684 ] وقوله : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم بفتح الفاء فيهم على قراءة شاذة صحيحة قال الطيبي قوله : ثم جعلهم قبائل بعد قوله : ثم جعلهم فرقتين إشارة إلى بيان الطبقات الست التي عليها العرب وهي الشعب والقبيلة والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة ، والشعب يجمع القبائل ، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن يجمع الأفخاذ ، والفخذ يجمع الفصائل ، فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وهاشم فخذ ، والعباس فصيلة ، وسميت الشعوب لأن القبائل تتشعب منها فقوله : خلق الخلق أي : الملائكة والثقلين ، فجعلني في خيرهم أي : في العرب وهلم جرا ، فإنا بفضل الله ولطفه على ما في سابق الأزل خير الخلق نفسا حيث خلقني إنسانا ورسولا خاتما للرسل ، تمم دائرة الرسل بي ، وجعلني نقطة تلك الدائرة ، يطوف جميعهم حولي ويحتاجون إلي ، وخيرهم بطنا حيث نقلني من طيب إلى طيب إلى أن نقلني من صلب عبد الله بالنكاح من أشرف القبائل والبطون ، فأنا أفضل خلق الله تعالى ، وأكرمهم لديه . ( رواه الترمذي ) : ولفظ الجامع ( إن الله خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم ، وخير الفرقتين ، ثم خير القبائل ، فجعلني في خير القبيلة ، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية