صفحة جزء
( 1 ) باب المواقيت

الفصل الأول

581 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وقت الظهر إذا زالت الشمس ، وكان ظل الرجل كطوله ، ما لم يحضر العصر ، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس . ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط . ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة ؟ فإنها بين قرني الشيطان " رواه مسلم .


( 1 ) - باب المواقيت

التي من جملة شروط الصلاة جمع ميقات وهو الوقت المعين ، قاله ابن الهمام

الفصل الأول

581 - ( عن عبد الله بن عمرو ) : بالواو ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وقت الظهر ) : وسميت به لأنها أول صلاة ظهرت ، أو لفعلها وقت الظهيرة ، وهو الأظهر ، والمعنى أول وقته ( إذا زالت الشمس ) : أي : حين مالت عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء إلى جهة المغرب باعتبار ظهوره لنا بزيادة ظل الاستواء إلى جهة المشرق ( وكان ) : أي : وصار ( ظل الرجل كطوله ) : أي : قريبا منه . قال الطيبي : هذا مذكور في صحيح مسلم ، وكتاب الحميدي ، وليس بمذكور في المصابيح إلا قوله : ( ما لم يحضر العصر ) : اهـ . فعلى ما في المصابيح لا إشكال ، وأما على ما في المشكاة فقال الأبهري : قوله ما لم يحضر بيان ، وتأكيد لقوله : وكان إلخ . ثم المراد بالظل الظل الحادث أو مطلق الظل ، ويلائمه قوله : ما لم يحضر العصر أي : وقته وهو الظل الحادث لطول الرجل ، وأغرب ابن حجر وجعل المراد بالظل نفس فيء الزوال ، وادعى أن هذا هو الغالب في انتهاء نقصه وابتدائه في الأخذ بالزيادة ، ولذا اقتصر عليه ، وإلا فقد يفقد الظل بالكلية في بعض البلاد كمكة وصنعاء ، ويختلف قدر ظل الاستواء باختلاف المحال والفصول ، ومن ثم اختلف الفقهاء في تفاصيل ذلك لاختلافهم في طول البلاد وعرضها ، وكذا أهل المواقيت اختلفوا في ذلك . قال ابن الملك : وهذا الحديث يدل على أن لا فاصلة بين وقتيهما ، ولا تشترك بينهما ، وعلى أن لا كراهة في تأخير الظهر إلى آخر الوقت ، وعند مالك إذا صار ظل كل شيء مثله من موضع زيادة الظل بقدر أربع ركعات مشترك بينهما . قال الطيبي : أي بين الظهر والعصر ; لأن جبريل عليه الصلاة والسلام صلى العصر في اليوم الأول ، والظهر في اليوم الثاني في ذلك الوقت . وأول الشافعي [ ص: 517 ] ذلك بانطباق آخر الظهر ، وأول العصر على الحين الذي صار ظل كل شيء مثله لهذا الحديث ؛ ولأنه لا يتمادى قدر ما يسع أربع ركعات ، فلابد من تأويل ، وتأويله على ما ذكرنا أولى قياسا على سائر الصلوات ، وسيأتي زيادة تحقيق لهذا المبحث .

( ووقت العصر ) : أي : يدخل بما ذكر من ظل الرجل كطوله ، ويستمر من غير كراهة ( ما لم تصفر ) : بفتح الراء المشددة وتكسر ( الشمس ) : فالمراد به وقت الاختيار لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : " ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " أي : مؤداة ، ولحديث غيرهما بسند رجاله في مسلم : " وقت العصر ما لم تغرب الشمس " وفي رواية لمسلم : " ما لم تصفر الشمس وسقط قرنها الأول " قال ابن الملك : والحديث يدل على كراهة التأخير إلى وقت الاصفرار ، فوقت جوازه إذا غربت .

( ووقت صلاة المغرب ) : ذكر الصلاة في مواضع ، وحذفها في آخر دلالة على جواز الإطلاقين ( ما لم يغب ) : وفي المصابيح : ما لم يسقط ( الشفق ) : وهو الحمرة التي تلي الشمس بعد الغروب عند الشافعي وأبي يوسف ومحمد ، وهو المروي عن ابن عمر وابن عباس ، وبه يفتى ، والبياض الذي يكون بعد الحمرة عند أبي حنيفة ، وهو المروي عن أبي هريرة ، وبه قال ابن عبد العزيز والأوزاعي ، وهذا يدل على امتداد وقت المغرب إلى سقوط الشفق ، فلو سقط بعضه لا يدخل وقت العشاء ، كما لا يدخل وقت المغرب بغروب بعض القرص ، وتأخير المغرب إلى آخر الوقت أقل كراهة بالنسبة إلى تأخير العصر قاله ابن الملك . وقال الطيبي : قوله : ما لم يسقط الشفق يدل على أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق ، وإليه ذهب الشافعي قديما والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي أي : الثاقب ، وذهب مالك والأوزاعي ، وابن المبارك ، والشافعي جديدا إلى أن صلاة المغرب لها وقت واحد مضيق ; لأن جبريل عليه الصلاة والسلام صلاها في اليومين في وقت واحد ، وهو قدر وضوء وأذان وإقامة ، وخمس ركعات متوسطات اهـ .

ويدخل وقتها بالغروب إجماعا ، وكأنه اكتفى بذكر المغرب ولا يعتد بخلاف الشيعة ، وخبر : إنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب عند اشتباك النجوم باطل ، بل صح : " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم " ، وتأخيره عليه الصلاة والسلام لها كما في أحاديث صحيحة لبيان الجواز ، ونقل الترمذي عن العلماء كراهية تأخيرها عن أوله ، كذا ذكره ابن حجر ، وهو حجة عليه في اختياره القول الجديد للشافعي وتصحيحه له . ( ووقت صلاة العشاء ) : أي : من عقيب الشفق إجماعا ( إلى نصف الليل الأوسط ) : والمراد به وقت الاختيار أيضا ، فإن الأكثرين قالوا : إن وقته يمتد إلى طلوع الصبح الصادق لما روى أبو قتادة أنه قال عليه الصلاة والسلام : " ليس التفريط في النوم ، إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى " خص الحديث في الصبح ، فيبقى على عمومه في الباقي قاله الطيبي . وقال الأبهري : احتج به أبو سعيد الإصطخري على أن وقت العشاء إلى نصف الليل ، وعند غيره محمول على وقت الاختيار ، وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر قال : والأوسط صفة الليل أي : الليل المعتدل ، لا طويل ولا قصير ، فنصف الليل الأوسط يكون بالنسبة إلى ليل قصير كثير من نصفه ، وبالنسبة إلى ليل طويل أقل من نصفه ، وقيل : الأوسط صفة النصف أي : نصف عدل من الليل عموما يعني من كل نصفه ، وبه قطع الفقهاء قاطبة ، والقول الأول يقتضي التأخير إلى ست ساعات في أقصر الليالي ، وهي ثلثا الليل ، وإلى ست ساعات في أطول الليالي ، وهي ثلث الليل ، والعكس أحرى وأليق اهـ . يعني : احترازا عن المشقة . قال ابن الهمام : روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " وقال : حسن صحيح اهـ . قال بعض علمائنا : المراد ثلث الليل في الصيف ، ونصفه في الشتاء ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 518 ] ( ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ) : أي : الصبح الصادق ( ما لم تطلع الشمس ) : أي : شيء منها ( فإذا طلعت ) : أي : أرادت الطلوع ( فأمسك عن الصلاة ) أي : اتركها ( فإنها ) : أي : الشمس ( تطلع بين قرني الشيطان ) : أي : جانبي رأسه ؛ وذلك لأن الشيطان يرصد وقت طلوع الشمس فينتصب قائما في وجه الشمس مستقبلا لمن سجد للشمس ، لينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الصلاة في ذلك الوقت ; لتكون صلاة من عبد الله في غير وقت عبادة من عبد الشيطان ، ويحتمل أن يكون من باب التمثيل شبه تسويل الشيطان لعبدة الشمس عبادتها ، وحثه إياهم على سجودها بحمله إياها برأسه إليهم واطلاعه عليهم ، وقيل : المراد بقرنيه حزباه السابقون واللاحقون بالليل والنهار ، وقيل : جنداه اللذان يبعثهما حينئذ لإغراء الناس ، وقيل : هو من باب التخييل تشبيها له بذوات القرون التي تناطح الأشياء ; لأن اللعين مناطح للحق ومدافع له . قال الطيبي : والمختار هو الوجه الأول ( رواه مسلم ) : قال ميرك : ورواه أبو داود ، والنسائي ، ولم يقولا : فإذا طلعت الشمس . . . إلخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية