صفحة جزء
5882 - وعن جابر رضي الله عنه ، قال : عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه ركوة فتوضأ منها ، ثم أقبل الناس نحوه ، قالوا : ليس عندنا ماء نتوضأ به ونشرب إلا ما في ركوتك ، فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده في الركوة ، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون ، قال : فشربنا وتوضأنا . قيل لجابر : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة . متفق عليه .


5882 - ( وعن جابر قال : عطش الناس ) : بكسر الطاء ( يوم الحديبية ) : بالتخفيف أفصح ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم - بين يديه ركوة ) أي : ظرف ماء من مطهرة أو سقاية ( فتوضأ منها ، ثم أقبل الناس نحوه ) ، أي : إلى جانب جنابه طالبين فتح الخير من بابه ( قالوا ) : استئناف بيان ( ليس عندنا ماء ) : بالمد ( نتوضأ به ونشرب ) أي : منه ( إلا ما في ركوتك ) ، أي : من الماء فما مقصورة موصولة والاستثناء يحتمل الاتصال والانقطاع ، ثم في القضية جملة مطوية ، وهي أن من المعلوم بحسب العادة أن ماء الركوة لم يكف الجماعة ( فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده في الركوة ) ، أي : في جوفها أو في فمها ( فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون ) ، أي : التي تخرج من بين صخور الجبال ، أو عروق الأرض . ( قال : فشربنا وتوضأنا ) أي : جميعنا ، فطوبى لهم من طهارة الظاهر والباطن من ذلك الماء الذي هو أفضل من جنس الماء المعين ، والله الموفق والمعين . ( قيل لجابر : كم كنتم ) ؟ أي : يومئذ حتى كفاكم ، ولما كان هذا السؤال غير مناسب في مقام المعجزة ( قال ) أي : أولا في الجواب ( لو كنا مائة ألف ) أي : مثلا ( لكفانا ) : ثم قال تتميما لفصل الخطاب : ( كنا خمس عشرة مائة ) .

قال الطيبي : عدل عن الظاهر لاحتماله التجوز في الكثرة والقلة ، وهذا يدل على أنه اجتهد فيه وغلب ظنه على هذا المقدار ، وقول البراء في الحديث الذي يتلو هذا الحديث : كنا أربع عشرة مائة ، كان عن تحقيق لما سبق في الفصل الثاني من باب قسمة الغنائم : أن أهل الحديبية كانوا ألفا وأربعمائة تحقيقا ، وقول من قال : هم ألف وخمسمائة وهم ، وقال الحافظ السيوطي : الجمع أنهم كانوا أربعمائة وزيادة لا تبلغ المائة ، فالأول ألغى الكسر ، والثاني جبره ، ومن قال ألفا وثلاثمائة ، فعلى حسب اطلاعه ، وقد روي ألفا وستمائة وألفا وسبعمائة ، وكأنه على ضم الأتباع والصبيان ، ولابن مردويه عن ابن عباس : كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين ، وهذا تحرير بالغ والله أعلم . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية