صفحة جزء
5892 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل ممن معه يدعي الإسلام : ( هذا من أهل النار ) فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال ، وكثرت به الجراح ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت الذي تحدث أنه من أهل النار ، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال : ( أما إنه من أهل النار ) فكاد بعض الناس يرتاب ، فبينما هو على ذلك إذ وجد .

الرجل ألم الجراح ، فأهوى بيده إلى كنانته ، فانتزع سهما فانتحر بها ، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ! صدق الله حديثك ، قد انتحر فلان وقتل نفسه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ، يا بلال قم فأذن : لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )
رواه البخاري .


5892 - ( وعن أبي هريرة قال : شهدنا ) أي : حضرنا ( مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل ) أي : في حقه وشأنه ( ممن يدعي الإسلام ) : حال أو استئناف بيان . قال النووي : اسم الرجل قرمان قاله الخطيب البغدادي وكان من المنافقين . كذا في جامع الأصول ( هذا من أهل النار ) : مقول للقول ( فلما حضر القتال ) ، أي : وقته ( قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح ) ، بكسر الجيم جمع الجراحة على ما في القاموس ( فجاء رجل ) أي : متعجبا ( فقال يا رسول الله أرأيت الذي تحدث ) أي : أخبرني عن حال من أخبرت ( عنه أنه من أهل النار ، فإنه قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح ) ؟ أي : وظاهر حاله أنه من أهل الجنة لأنه قاتل في سبيل الله أشد القتال ، فرد عليه ( فقال : أما إنه من أهل النار ) أي : القول ما قلت لك ، وإن ظهر لك خلافه ، لأنه لا عبرة بصورة الأعمال ، وإنما المدار على حسن الأحوال وخاتمة الآمال ( فكاد ) أي : قرب ( بعض الناس ) أي : بعض المسلمين ممن له ضعف في الدين ، وقلة معرفة بعلم اليقين ( يرتاب ) أي : يشك في أمره ، لقوله : إنه من أهل النار . ( فبينما هو ) أي : الرجل ( على ذلك ) : أي : ما ذكر من مبهم الحال ( إذ وجد [ ص: 3794 ] الرجل ألم الجراح ، فأهوى بيده ) أي : قصد ومال ( إلى كنانته ) : بكسر أوله أي : إلى جعبته وهي ظرف سهمه ( فانتزع سهما ) أي : فأخرجه ( فانتحر ) أي : نحر نفسه ( بها ) . أي : بالمعبلة التي هي مركبة في السهم وهي كمكنسة نصل عريض طويل على ما في القاموس ، والحاصل أنه مات كافرا لخبث باطنه ، أو فاسقا بقتل نفسه ، ( فاشتد رجال من المسلمين ) أي : عدوا وأسرعوا قاصدين ومتوجهين ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ! صدق الله حديثك ) ، بتشديد الدال في أكثر النسخ أي : حققه ، وفي نسخة بتخفيفها أي : صدق الله في إخبارك المطابق للواقع ( قد انتحر فلان وقتل نفسه ) . عطف تفسير وبيان ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الله أكبر ، أشهد أني عبد الله ورسوله ) ، قال شارح : هذا كلام يقال عند الفرح فرح عليه السلام حين ظهر صدقه . وقال الطيبي : محتمل تعجبا وفرحا لوقوع ما أخبر عنه ، فعظم الله تعالى حمدا وشكرا لتصديق قوله : وأن يكون كسرا للنفس وعجبها ، حتى لا يتوهم أنه من عنده وينصره قوله : إني عبد الله ( يا بلال قم فأذن ) أي : فأعلم الناس ( لا يدخل الجنة إلا مؤمن ) أي : خالص احترازا عن المنافقين ، أو مؤمن كامل ، فالمراد دخولها مع الفائزين دخولا أوليا غير مسبوق بعذاب . ( وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) . أي : المنافق أو الفاسق ممن يعمل رياء أو يخلط به معصية ، وربما يكون عملا به سوء الخاتمة ، نسأل الله العافية ، والجملة يحتمل أن تكون داخلة تحت التأذين ، أو استئناف بيان لاختلاف أحوال القائلين . ومن نظائره من يصنف أو يدرس أو يعلم أو يتعلم أو يؤذن أو يؤم أو يأتم وأمثال ذلك ، كمن يبني مسجدا أو مدرسة أو زاوية لغرض فاسد وقصد كاسد مما يكون سببا لنظام الدين وقوام المسلمين ، وصاحبه من جملة المحرومين ، جعلنا الله تعالى من المخلصين بل من المخلصين . ( رواه البخاري ) : وكذا مسلم . وفي الجامع : ( إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ) رواه النسائي ، وابن حبان ، عن أنس ، وأحمد والطبراني ، عن أبي بكرة . وفي رواية للطبراني ، عن ابن عمر بلفظ : " إن الله تعالى ليؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله " .

التالي السابق


الخدمات العلمية