صفحة جزء
[ ص: 3875 ] [ 2 ] باب مناقب الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين

الفصل الأول

6007 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) متفق عليه .


[ 2 ] باب مناقب الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين

قال القرطبي : المنقبة بمعنى الفضيلة وهي الخصلة التي يحصل بسببها شرف وعلو إما عند الله وإما عند الخلق ، والثاني لا عبرة به إلا أن أوصل إلى الأول ، فإذا قيل : فلان فاضل ; فمعناه أن له منزلة عند الله ، ولا يوصل إليه إلا بالنقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ذكره السيوطي . وقال الطيبي : الصحابي المعروف عند أهل الحديث ، وبعض أصحاب الأصول كل من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مسلم ، ثم يعرف كونه صحابيا بالتواتر كأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أو بالاستفاضة ، أو يقول صحابي غيره أنه صحابي ، أو يقول عن نفسه أنه صحابي إذا كان عدلا ، والصحابة كلهم عدول مطلقا لظواهر الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به .

في شرح السنة قال أبو منصور البغدادي : أصحابنا يجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة على الترتيب المذكور ، ثم تمام العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أحد ، ثم بيعة الرضوان ، ومن له مزية من أهل العقبتين من الأنصار ، وكذلك السابقون الأولون ، وهم من صلى إلى القبلتين ، وقيل : أهل بيعة الرضوان ، وكذلك اختلفوا في عائشة وخديجة أيهما أفضل ؟ وفي عائشة وفاطمة ؟ وأما معاوية ; فهو من العدول الفضلاء ، والصحابة الأخيار ، والحروب التي جرت بينهم كانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها ، وكلهم متأولون في حروبها ، ولم يخرج بذلك أحد منهم من العدالة ; لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل ، كما اختلف المجتهدون بعدهم في مسائل ، ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم .

الفصل الأول

6007 - ( عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال النبي ) : وفي نسخة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تسبوا أصحابي ) : الخطاب بذلك للصحابة لما ورد : أن سبب الحديث أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء ، فسبه خالد ، فالمراد بأصحابي أصحاب مخصوصون ، وهم السابقون على المخاطبين في الإسلام ، وقيل : نزل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به من السب منزلة غيرهم ، فخاطبه خطاب غير الصحابة ذكره السيوطي ، ويمكن أن يكون الخطاب للأمة الأعم من الصحابة حيث علم بنور النبوة أن مثل هذا يقع في أهل البدعة ، فنهاهم بهذه السنة . وفي شرح مسلم : اعلم أن سب الصحابة حرام من أكبر الفواحش ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ، وقال بعض المالكية : يقتل . وقال القاضي عياض : سب أحدهم من الكبائر انتهى .

وقد صرح بعض علمائنا بأنه يقتل من سب الشيخين ، ففي ( كتاب السير ) من كتاب ( الأشباه والنظائر ) للزين بن نجيم : كل كافر تاب ، فتوبته مقبولة في الدنيا والآخرة إلا جماعة الكافر بسب النبي وسب الشيخين أو أحدهما ، أو بالسحر ، أو بالزندقة ، ولو امرأة إذا أخذ قبل توبته ، وقال : سب الشيخين ولعنهما كفر ، وإن فضل عليا عليهما فمبتدع ، كذا في الخلاصة ، وفي مناقب الكردي : يكفر إذا أنكر خلافتهما ، أو بعضهما لمحبة النبي لهما ، وإذا أحب عليا أكثر منهما لا يؤاخذ به انتهى . ولعل وجه تخصيصهما لما ورد في فضيلتهما من قوله - صلى الله عليه وسلم - في حقهما خاصة على ما سيأتي في باب على حدة لهما ، أو للإجماع على أحقيتهما خلافا للخوارج في حق عثمان وعلي ومعاوية ، وأمثالهم والله أعلم .

( فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ) : زاد البرقاني كل يوم ( ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) . أي : ولا بلغ نصفه أي : من بر أو شعير لحصول بركته ومصادمته لإعلاء الدين وكلمته مع ما كانوا من القلة وكثرة الحاجة والضرورة ، ولذا ورد : سبق درهم مائة ألف درهم ، وذلك معدوم فيما بعدهم ، وكذلك سائر طاعاتهم وعباداتهم وغزواتهم وخدماتهم ، ثم اعلم أن المد بضم الميم ربع الصاع ، والنصيف بمعنى النصف كالشعير بمعنى العشر ، وعلى هذا الضمير راجع إلى المد ، وقيل : النصيف مكيال يسع نصف مد ، فالضمير راجع إلى الأحد . قال القاضي عياض : النصيف النصف أي نصف مده ، وقيل : هو مكيال دون المد ، والمعنى لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الأجر والفضل ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصف ، لما يقارنه من مزيد الإخلاص وصدق النية ، وكمال النفس .

قال الطيبي : ويمكن أن يقال : إن فضيلتهم بحسب فضيلة إنفاقهم وعظم موقعه ، كما قال تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وقوله : من قبل الفتح أي : قبل فتح مكة يعني : قبل عز الإسلام وقوة أهله ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ، وقلة الحاجة إلى القتال والنفقة فيه ، وهذا في .

[ ص: 3876 ] الإنفاق ، فكيف بمجاهدتهم وبذل أرواحهم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى . ولا يخفى أن هذا إنما يتم على ما سبق من سبب الحديث المستفاد منه تخصيص الصحابة الكبار ، لكن يعلم نهي سب غير الصحابي للصحابي من باب الأولى ; لأن المقصود هو الزجر عن سب أحد ممن سبقه في الإسلام والفضل ، إذ الواجب تعظيمهم وتكريمهم حيث قال الله تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ( متفق عليه ) . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، عن أبي سعيد ، وكذا مسلم ، وابن ماجه عن أبي هريرة .

وأخرجه أبو بكر البرقاني على شرطهما ، وأخرج علي بن حرب الطائي ، وخيثمة بن سليمان عن ابن عمر قال : ( لا تسبوا أصحاب محمد ، فلمنام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره ) . وأخرج الخطيب البغدادي في الجامع وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا ظهرت الفتن - أو قال البدع - وسب أصحابي فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله له صرفا ولا عدلا ) . وأخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا ( ما ظهر أهل بدعة إلا أظهر الله فيهم حجة على لسان من شاء من خلقه ) . وأخرج المحاملي والطبراني والحاكم عن عويم بن ساعدة مرفوعا ( إن الله اختارني واختار لي أصحابا وجعل لي فيهم وزراء وأنصارا وأصهارا ، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ) . وروى العقيلي في الضعفاء عن أنس : ( إن الله اختارني واختار لي أصحابا وأنصارا وسيأتي قوم يسبونهم ويستنقصونهم ، فلا تجالسوهم ولا تشاربوهم ولا تواكلوهم ولا تناكحوهم ) . وروى أحمد عن أنس ( دعوا لي أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهبا ما بلغتم أعمالهم ) . وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود : ( لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية