صفحة جزء
[ ص: 3883 ] [ 3 ] - باب مناقب أبي بكر - رضي الله عنه - الفصل الأول

6019 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر - وعند البخاري أبا بكر - ولو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ) .

وفي رواية : ( لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ) . متفق عليه .


[ 3 ] - باب مناقب أبي بكر - رضي الله عنه - الفصل الأول

6019 - ( عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن من أمن الناس ) : بفتح الهمزة وميم وتشديد نون أي : أنعمهم ( علي ) : أو أبذلهم لأجلي ( في صحبته ) أي : دوام ملازمته ببذل نفسه في خدمتي ( وماله ) أي : وبذل ماله بل وجميع ماله في طريقي ( أبو بكر ) : كذا في صحيح مسلم ( وفي البخاري : ( أبا بكر ) أي : بالنصب وهو الظاهر ; لأن اسم ( إن ) والرفع مشكل ذكره الطيبي قال المظهر : وفيه أوجه الأول : أن يكون من زائدة على مذهب الأخفش ، وقيل : إن هاهنا بمعنى ( نعم ) كما في جواب قوله : لعن الله ناقة حملتني إليك إن وصاحبها فقوله : أبو بكر مبتدأ ، ومن أمن الناس خبره ، وقيل : اسم إن ضمير الشأن اه . فالتقدير أنه من أمن الناس أو هو من باب علي بن أبي طالب ، وأما ما توهم بعضهم من أن قوله : أبو بكر خبر مبتدأ محذوف ، هو هو على أنه جواب عن سؤال كأنه قيل من أمن الناس ، فقيل أبو بكر فغير صحيح لبقاء إن حينئذ بلا خبر قال التوربشتي : يريد أن من أبذلهم وأسمعهم من من عليه منا لا من من عليه منة إذ ليس لأحد أن يمتن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أنه ورد مورد الإحماد ، وإذا حمل على معنى الامتنان عاد ذما على صاحبه ; لأن المنة تهدم الصنيعة ( ولو كنت متخذا خليلا ) .

قال القاضي : الخليل الصاحب الواد الذي يفتقر إليه ، ويعتمد في الأمور عليه ، فإن أصل التركيب من الخلة بالفتح وهي الحاجة ، والمعنى لو كنت متخذا من الخلق خليلا أرجع إليه في الحاجات وأعتمد إليه في المهمات ( لاتخذت أبا بكر خليلا ) ، ولكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه في جملة الأمور ومجامع الأحوال ، هو الله ، تعالى ، وإنما سمي إبراهيم - عليه السلام - خليلا من الخلة بالفتح التي هي الخصلة ، فإنه تخلق بخلال حسنة اختصت به أو من التخلل ، فإن الحب تخلل شغاف قلبه ، واستولى عليه ، أو من الخلة من حيث أنه - عليه السلام - ما كان يفتقر حال الافتقار إلا إليه ، وما كان يتوكل إلا عليه ، فيكون فعيل بمعنى فاعل . وفي الحديث بمعنى مفعول ( ولكن أخوة الإسلام ) : استدراك عن مضمون الجملة - الشرطية وفحواها ، كأنه قال : ليس بيني وبينه خلة ، ولكن بيننا في الإسلام أخوة ، فنفى الخلة المنبئة عن الحاجة وأثبت الإخاء المقتضي للمساواة في المحبة والألفة ولذا قال : ( ومودته ) ، أي : ومودة الإسلام الناشئة عن المحبة الدينية لا لغرض من الأغراض ( الدنيوية أو النفسية الدنية . قال السيد جمال الدين ، أي : لكن بيني وبينه أخوة الإسلام ، أو لكن أخوة الإسلام حاصلة ، أو لكن أخوة الإسلام أفضل ، كما وقع في بعض الطرق ، فإن أريد أفضلية أخوة الإسلام ومودته عن الخلة ، كما هو ظاهر من السوق يشكل ، فيجب أن يراد أفضليتها من غير الخلة ، أو يقال : أفضل بمعنى فاضل ، أو يقال : أخوة الإسلام التي بيني وبين أبو بكر أفضل من أخوة الإسلام التي بيني وبين غيره ، أو من أخوة الإسلام التي بينه وبين غيري ، والأول أحسن تأمل .

أقول : ويمكن أن يكون الحديث محمولا على ما كان تعاهد العرب من عهدة الأخوة وعقد الخلة والمحبة فيما بينهم ، فقال : ( لو كنت متخذا خليلا من الخلق لفقد الخلة وعهد المحبة لاتخذت أبا بكر خليلا من بين أصحابي ، ولكن أخوة الإسلام ومودته الشاملة له ولغيره كافية ، أو أفضل حيث إنه خالص لله وعلى وفق رضاه ومن غير ملاحظة من سواه . وقال ابن الملك : اللام في قوله : ولكن أخوة الإسلام للعهد أي : ولكن أخوة الإسلام الذي سبق من المسلمين أفضل ; لأن اتخاذه خليلا بفعله وأخوة الإسلام بفعل الله ، تعالى ، فما اختاره الله للنبي - صلى الله عليه وسلم - يكون أفضل مما اختاره لنفسه ( لا تبقين ) : بصيغة المجهول نهيا مؤكدا مشددا وفي نسخة بفتح أوله ، والمعنى لا تتركن باقية ( في المسجد ) أي : مسجد المدينة ( خوخة إلا خوخة أبي بكر ) . الخوخة بفتح الخاءين المعجمتين وسكون الواو كوة في الجدار تؤدي الضوء إلى البيت ، وقيل : باب صغير ينصب بين بيتين أو دارين ، ليدخل من أحدهما في الآخر .

[ ص: 3884 ] قال التوربشتي : وهذا الكلام كان في مرضه الذي توفي في آخر خطبة خطبها ، ولا خفاء بأن ذلك تعريض بأن أبا بكر هو المستخلف بعده ، وهذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة ، فذلك لأن أصحاب المنازل اللاصقة بالمسجد قد جعلوا من بيوتهم مخترقا يمرون فيه إلى المسجد ، أو كوة ينظرون إليها منه ، فأمر بسد جملتها سوى خوخة أبي بكر تكريما له بذلك أولا ، ثم تنبيها للناس في ضمن ذلك على أمر الخلافة حيث جعله مستحقا لذلك دون الناس ، وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة ، وسد أبواب المقالة دون التفوق إليها والتطوع عليها ، وأرى المجاز فيه أقوى ، إذ لم يصح عندنا أن أبا بكر كان له منزل بجنب المسجد ، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة ، ثم أنه مهد المعنى المشار إليه ، وقرره بقوله : ( ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) ليعلم أنه أحق الناس بالنيابة عنه ، وكفانا حجة على هذا التأويل تقديمه إياه في الصلاة ، وإباؤه كل الإباء أن يقف غيره ذلك الموقف اه .

وقيل : أراد - صلى الله عليه وسلم - بخوخة أبي بكر خوخة بنته عائشة ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بسد خوخات الأزواج إلا خوخة عائشة ، ووجه الإضافة إلى أبي بكر ظاهر لإمامته فيه بإذنه ، كما يشير إليه لفظ المسجد ، ذكره السيد جمال الدين . وفي الرياض : عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بسد أبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر . أخرجه الترمذي ، وأبو حاتم وأخرجه ابن إسحاق وزاد في آخره ( فإني لا أعلم رجلا كان أفضل في الصحبة يدا منه ) . وعن جبير بن نفير : أن أبوابا كانت مفتحة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بها فسدت ، غير باب أبي بكر فقالوا : سد أبوابنا غير باب خليله ، وبلغه ذلك فقام فيهم فقال : ( أتقولون سد أبوابنا وترك باب خليله ، فلو كان منكم خليل كان هو خليلي ، ولكني خليل الله فهل أنتم تاركون لي صاحبي فقد واساني بنفسه وماله وقال لي : صدق وقلتم كذب ) .

( وفي رواية ) أي : مستقلة ( لو كنت ) : وفي رواية بدلا مما قبله فكان المناسب أن يقول : ولو كنت ( متخذا خليلا غير ربي ) ، أي بإفادة هذه الزيادة ( لاتخذت أبا بكر خليلا ) . أي : لكن لا يجوز لي أن آخذ غير الله خليلا لأكون له خليلا ، سواء يكون بمعنى الفاعل أو المفعول ( متفق عليه ) . ورواه أحمد والترمذي وأبو حاتم . وفي مسند أبي يعلى ، عن ابن عباس : ( أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار ، سدوا خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر ) . وأخرجه أحمد والبخاري وأبو حاتم واللفظ له ، عن ابن عباس ، أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه ، فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من ابن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذته ، ولكن خلة الإسلام ، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر ) . قال أبو حاتم ، وفي قوله : سدوا إلخ دليل على حسم أطماع الناس كلهم من الخلافة إلا أبا بكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية